زيارات سرية اماراتية لافغانستان..كيف تعيد الامارات تموضعها مع طالبان؟
أعلنت وزارة الخارجية الأفغانية في أغسطس/آب 2024 تعيين “مولوي بدر الدين حقاني” كأول سفير معتمد في عهد حكومة طالبان لدى الإمارات، فيما أعلنت وزارة الخارجية الإماراتية تسلم نسخة من أوراق اعتماد السفير الأفغاني، والذي شغل سابقا منصب القائم بأعمال سفارة أفغانستان لدى أبو ظبي.
التحليل: الإمارات وحكومة طالبان تطويان صفحة سنوات العداء
يمثل تعيين سفير كممثل لحكومة الإمارة الإسلامية لدى أبوظبي تتويجا للقاءات رفيعة المستوى بين قادة البلدين، ومن آخرها استقبال الرئيس الإماراتي، الشيخ محمد بن زايد، لوزير الداخلية الأفغاني، والمدرج على قائمة الإرهاب الأمريكية، سراج الدين حقاني، في أول زيارة معلنة له خارج أفغانستان منذ سيطرة طالبان على كابل عام 2021، وهي الزيارة التي سبقها استقبال “بن زايد” لوزير الدفاع الأفغاني، الملا محمد يعقوب، نجل مؤسس طالبان، الملا محمد عمر، فيما تلاها زيارة “بن زايد” لرئيس الوزراء الأفغاني، محمد حسن أخوند، خلال تلقيه العلاج في أحد المشافي الإماراتية.
تهدف أبوظبي لأن تصبح طرفا فاعلا في الملف الأفغاني، الذي انفردت قطر بأداء دور بارز فيه عبر رعاية المفاوضات بين الولايات المتحدة وطالبان، واستضافة المكتب السياسي لطالبان في الدوحة. فمن خلال اعتماد سفير أفغاني رسميا، تصبح أبوظبي ثاني دولة في العالم تقدم على تلك الخطوة بعد الصين. وتتصل أهمية أفغانستان جيوسياسيا بموقعها كدولة مجاورة لإيران ومؤثرة في بيئتها الداخلية، فضلا عن حاجة الإمارات للتعاون مع حكومة طالبان في مسألة مكافحة تنظيم الدولة الذي ينشط فرعه “ولاية خراسان” ويمثل تهديدا لمنطقة الخليج.
في المقابل، فإن الخطوة الإماراتية، التي لم تقدم عليها أي دولة أخرى من دول الخليج، تتيح لكابول تنويع خياراتها بدلا من الاعتماد على الدوحة فقط كوسيط مع واشنطن. كما يساعد الانفتاح على الإمارات حكومة طالبان في التقليل من تداعيات توتر العلاقات مع باكستان والتي كانت تعد حليفا جيوسياسيا لطالبان، قبل أن تتزايد التوترات بينهما خلال السنتين الماضيتين، نتيجة خلافات حدودية، وتضارب المواقف من حركة طالبان باكستان، وطرد اللاجئين الأفغان من باكستان، مما أدى لتكرار إغلاق الحدود الباكستانية الأفغانية ووقف تدفق التجارة من خلالها. في المقابل تتيح موانئ الإمارات استيراد السلع ونقلها برا عبر ميناء بندر عباس الإيراني إلى مدينة هيرات غرب أفغانستان.
تسعى أبوظبي لتعميق دورها في الملف الأفغاني عبر عدة أوراق، أبرزها التواجد الأفغاني الكثيف على الأراضي الإماراتية، لأن هذا يلعب دورا في تنشيط الاقتصاد الأفغاني عبر شبكة من العلاقات السياسية والاجتماعية.
يعيش نحو 200 ألف أفغاني في الإمارات من بينهم نحو 500 رجل أعمال يتحكمون في 60% من إجمالي التجارة الأفغانية، ولذا كانت الإمارات وجهة سفر غير معلنة متكررة لزعيم طالبان السابق، الملا أختر منصور، قبل مقتله، بهدف جمع التبرعات.
تغازل أبوظبي الحكومة الأفغانية بورقة كسر الحصار الدولي الدبلوماسي، والحصول على الاعتراف، والاستثمار في البنية التحتية وقطاع الصحة وإعادة الإعمار، ومشاريع التعدين والتنقيب عن النفط والغاز، والمساعدة في تخفيف العقوبات الدولية، وهو ما يندرج ضمنه فوز الإمارات بعقد لتشغيل مطار كابول في عام 2022 مما يساهم في تيسير الحركة من وإلى أفغانستان.
لقد أثبتت كل من طالبان وأبوظبي براغماتية عالية في تعزيز العلاقات المشتركة؛ فرغم سابقة مشاركة الإمارات عسكريا ضمن القوات الدولية التي احتلت أفغانستان وقاتلت حركة طالبان، واستقبال أبوظبي للرئيس الأفغاني السابق أشرف غني بعد هروبه من كابول، إلا أن الجانبين تجاوزا تلك الصفحة، وبنيا على علاقتهما القديمة التي شهدت اعتراف الإمارات والسعودية وباكستان بحكومة طالبان الأولى (1996-2001).
لم تحظ خطوة اعتماد السفير الأفغاني في أبوظبي بإدانة من واشنطن أو الدول الأوروبية. فرغم توتر العلاقات الأمريكية والأوروبية مع حكومة الإمارة الإسلامية، ثمة قلق غربي من تنامي النفوذ الصيني والروسي داخل أفغانستان على حساب النفوذ الغربي. إذ ترفض حكومة طالبان التجاوب مع مطالب غربية من قبيل تشكيل حكومة تشمل أطيافا متنوعة من الساسة الأفغان، واعتماد مناهج تعاليم وأنماط ثقافية تتماشى مع المعايير الغربية، وهو ما تسبب في عدم اعتراف الغرب بحكومة طالبان رسميا حتى الآن. وعليه فإن انخراط الإمارات الحليفة لواشنطن في مشاريع واستثمارات وأنشطة في أفغانستان، يساهم في موازنة نفوذ بكين وموسكو.
أثبتت طالبان خلال ثلاث سنوات من سيطرتها على الأراضي الأفغانية قدرتها على تجنيب البلاد اندلاع حرب أهلية مجددا، وأنها حكومة أمر واقع لا يمكن تجاوزها، فيما فشلت الضغوط الغربية المتنوعة في تطويع طالبان، وبالتالي أصبح مسار الانفتاح على الحكومة الأفغانية تدريجيا هو الخيار الأكثر واقعية.
ولذا يتوقع أن يتعمق الحضور الإماراتي في أفغانستان، وأن تقدم دول أخرى على الاعتراف بالسفراء الذين ترشحهم كابول.