زيارة إبراهيم تراوري إلى روسيا: قراءة في الأبعاد الاستراتيجية لتحولات تحالفات الساحل

نيامي – مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي
مقدمة
تُعد زيارة الرئيس الانتقالي لبوركينا فاسو، إبراهيم تراوري، إلى موسكو في مايو 2025، المحطة الثانية له إلى روسيا خلال فترة حكمه، بمثابة مؤشّر استراتيجي على إعادة رسم أولويات السياسة الخارجية للبلاد، بالتوازي مع التحولات المتسارعة في منطقة الساحل الإفريقي. تأتي الزيارة في سياق إقليمي يشهد إعادة تموضع لقوى دولية كبرى، وتراجعًا في النفوذ الفرنسي، مقابل تنامي الحضور الروسي، الأمر الذي انعكس بوضوح في التعاون الثلاثي المتصاعد بين واغادوغو وباماكو ونيامي.
أولاً: الأبعاد التعليمية والتقنية للتقارب
من اللافت في زيارة تراوري الأخيرة إلى موسكو تسليط الضوء على التعاون في المجالين التعليمي والتقني، وهو ما بدا جلياً في خطابه أمام طلاب جامعة ديمتري مندلييف للتكنولوجيا الكيميائية. بحسب مصادر خاصة بمركز مسارات، تعمل بوركينا فاسو على التفاوض مع الجانب الروسي لافتتاح فروع لجامعات روسية في واغادوغو، بهدف تعزيز التكوين العلمي ونقل المعرفة في مجالات التكنولوجيا والصناعات الكيميائية، وهي مقاربة تسعى إلى بناء قاعدة تعليمية وطنية مؤهلة خارج الأطر الغربية التقليدية.
ثانيًا: التعاون العسكري والأمني
من منظور أمني، تسعى القيادة الانتقالية في بوركينا فاسو إلى تكرار النموذج المالي في استقدام الدعم الروسي، خاصة في ظل تصاعد وتيرة الهجمات الجهادية منذ عام 2022. تُشير معلومات حصرية حصل عليها مركز مسارات إلى أنّ موسكو قد تشرع في إرسال عناصر من “الفيلق الأفريقي-الروسي” (النسخة المعاد هيكلتها من مجموعة فاغنر) إلى بوركينا فاسو خلال النصف الثاني من عام 2025، مع التركيز على تأمين مناطق التعدين وخطوط الإمداد الحيوية. كما تبرز مؤشرات على اتفاقات لتوريد الأسلحة وتدريب وحدات خاصة من الجيش البوركيني.
ثالثًا: الرهانات الاقتصادية والموارد الاستراتيجية
على الصعيد الاقتصادي، يندرج التعاون مع روسيا في إطار محاولة واغادوغو الخروج من دائرة النفوذ الفرنسي التقليدي. وبحسب رصد مركز مسارات، فإن الاهتمام الروسي يتركز على قطاع التعدين، وخصوصًا الذهب، إلى جانب مشاريع البنية التحتية والطاقة، التي تشكل بيئة خصبة للاستثمارات الروسية في ظل غياب المنافسة الغربية. ويتوقع أن تعلن واغادوغو خلال الشهور القادمة عن عقود جديدة مع شركات روسية تعمل في مجالات التنقيب والنقل الثقيل.
رابعًا: تشكل محور سياسي جديد في الساحل
أحد أهم أبعاد زيارة تراوري إلى موسكو هو الحضور المشترك لوزيري الدفاع في مالي والنيجر، ما يؤشر إلى تسارع تشكيل محور سياسي–أمني ثلاثي بدعم روسي مباشر. ووفقاً لمصادر خاصة بمركز مسارات، يلعب وزير الدفاع المالي ساديو كامرا دوراً محورياً في التنسيق الروسي – الساحلي، حيث ساهم شخصياً في تقريب وزير الدفاع النيجري ساليفو مودي من موسكو، على الرغم من خلفيته المؤيدة سابقًا للولايات المتحدة.
هذا التحالف الجديد، الذي بدأ بالتعاون العسكري وتبادل الخبرات، قد يتطور إلى بنية دفاع إقليمي جديدة بديلاً عن “القوة المشتركة لدول الساحل الخمس”، والتي تراجعت فعاليتها بعد الانقلابات العسكرية الأخيرة.
خامسًا: التحديات والرهانات الجيوسياسية
على الرغم من الديناميكية التي تظهر في التحالف الثلاثي المدعوم من موسكو، إلا أن المسار الجديد لا يخلو من مخاطر استراتيجية، أبرزها:
-
التوتر مع الغرب: التقارب الروسي قد يؤدي إلى عقوبات أو عزلة دبلوماسية، لا سيما من طرف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
-
الاعتماد الأحادي: ضعف التعددية في الشراكات قد يضعف قدرة الدول المعنية على المناورة الجيوسياسية.
-
مخاوف حقوق الإنسان: سجل روسيا (وخاصة فاغنر) في مناطق مثل إفريقيا الوسطى والسودان يثير قلقاً حول إمكان تكرار الانتهاكات.
-
اختبار النموذج: لا تزال الفعالية العملية لهذا النوع من التحالفات خاضعة للتجربة، وقد تواجه اختلالات عند أول أزمة إقليمية كبرى.
خاتمة
تشكّل زيارة الرئيس البوركينابي إبراهيم تراوري إلى موسكو نقطة تحوّل في صياغة تحالفات جديدة داخل منطقة الساحل، حيث تسعى بوركينا فاسو، إلى جانب مالي والنيجر، لتأسيس محور سياسي–أمني مستقل عن النفوذ الغربي التقليدي. وبدعم روسي مباشر، يبدو أن معالم “نظام أمني بديل” بدأت تتبلور، يستند إلى التعاون العسكري والاقتصادي والتقني مع موسكو.
غير أن هذا التوجه يضع البلاد أمام رهانات حادة بين تحقيق الاستقلال الاستراتيجي من جهة، واحتمال العزلة أو التصعيد من جانب الشركاء الغربيين من جهة أخرى. ويُنتظر أن يتحدد مستقبل هذا المحور بحسب قدرة الأطراف على توازن المصالح والانخراط في مقاربة متعددة الأبعاد، تُراعي تعقيدات البيئة الإقليمية والدولية.
إعداد: حسين أغ عيسى لنصاري
صحفي مختص في الشؤون الأمنية بمنطقة الساحل