في ذكرى جلاء مستعمر لم يرحل
جلب الفرنسيون لمنطقتنا مشروع ولاية الفقيه وغرسوه في جسد أوطاننا عنوة، ومن قبله عائلة (الوحش) المعروفة بعائلة الأسد في سوريا، فلم يزل هذان المشروعان يتمددان من عقود فوق الأشلاء ويقتاتان على الدماء بلا ارتواء.
و مثلهم فعل البريطانيون في عدة مناطق من وطننا العربي .
كثيرون حسبوا أننا في الربيع العربي نقارع الاستبداد بعد أن تحررنا من الاستعمار وبناءً على ذلك حددوا أولوياتهم ولغة خطابهم وبوصلتهم، ذاهلين أن جلاء المستعمرين لم يكن جلاءً بالمعنى الحقيقي إنما كان تراجعاً تكتيكياً وتغييراً لوسائل السيطرة من الهيمنة المباشرة إلى الهيمنة عبر وكلاء، وهذا المنحى نحته جُل الدول الاستعمارية عقب الحرب العالمية الثانية وخروجها منها منهكة ومُثخنة، بالإضافة لكون الاحتلال غير المباشر وعبر أدوات ووكلاء يحقق المنشود بكلفة مادية وبشرية أقل بكثير، لكن ما إن بدأ وكلاؤهم يتهاوون تحت ضربات الربيع العربي حتى هرعوا قافلين بجيوشهم وأساطيلهم لمنطقتنا تحت ذرائع جديدة : كحماية الأقليات ونشر الديمقراطية ومكافحة الإرهاب.
فالحقيقة الناصعة أننا لانزال في طور مقارعة الاستعمار في حرب باردة مستمرة و غير مباشرة عبر رواسبه وذيوله التي غرسها في أوطاننا منذ ثلاثينات القرن الماضي .
معرفة هذه الحقيقة يفتح أفاقاً جديدة وهامة لفهم حقيقة الصراع ولإعادة بناء الاستراتيجيات والأولويات و سبر عمق ما يحصل لنا من تواطؤ وتعاجز وصمت وتجاهل لمأساتنا و رقصٍ للغربان على أكوام جثثنا .
الفائدة الأخرى التي نجنيها من ذلك أيضاً :
أن معارك الاستعمار واضحة وغير ملتبسة تستقطب الجميع وتدفعهم لمقارعته دون تردد و تُسهم في تقليص مساحة الرمادية لأضيق الحدود .
بخلاف معارك الاستبداد التي ينقسم الناس عادةً حولها بسبب جيوش العبيد الذين تمت صناعتهم و رُهاب المفاهيم المشوهة التي جرى غرسها بصورة ممنهجة طيلة عقود .