تقلبات الجولاني من رحم داعش لعكس مصالح أمريكا بإدلب والتحول لقائد شعبي
بعد أن وافق “البغدادي” على إرسال “الجولاني” لتنظيم صفوف القاعدة والخبرات العسكرية وتشكيل جبهة النصرة في سورية لتُعلن عن نفسها رسميا، في ٢٣ يناير/كانون الثاني لعام ٢٠١٢، بمقطع نشرته مؤسستها الإعلامية المعروفة بـ “المنارة البيضاء” على المنتديات “الجهادية”
حيث وضع الجولاني الملامح العامة لمشروعه “جبهة النصرة لأهل الشام من مجاهدي الشام في ساحات الجهاد”
وتضمن كلمة لمسؤولها العام “الجولاني” أعلن بها “حربه” على النظام السوري، كخطوة أولى لـ “إقامة الشريعة في بلاد الشام”، متّحدين “تحت حكم إسلامي واحد” كما قال، وهاجم به الغرب واعتبره مسؤولا عن الدم السوري، إضافة لهجومه على “عصا الغرب في المنطقة”، حسب تعبيره، وهي “النظام التركي”، ثم جامعة الدول العربية، و”النظام الصفوي الإيراني”
بدأ خلاف “الجولاني” مع العدناني والذي كان نواة تفكك القاعدة “جبهة النصرة” في سوريا عن الأم في العراق “الدولة الإسلامية” بعد أخذ العدناني البيعات باسم “دولة العراق” لا “جبهة النصرة”، ثم وقعت بينه وبين المسؤولين المحليين مشاكل كثيرة، فعزله “الجولاني” من منصبه، وسلمه مسؤولية الحدود والمهاجرين والمعسكر المركزي لاستقبال المهاجرين، ثم عزله مجددا، فكتب كتابا للبغدادي من ٢٥ صفحة تقريبا وأرسله إليه، ليبعث الأخير في طلب “الجولاني” الذي أسرع إليه في العراق تاركا مكانه “مجلس شورى”.
كان العدناني الناطق الرسمي باسم التنظيم “طه فلاحة”، الشهير باسم “أبو محمد العدناني قد أوحى لقيادته أن “الجبهة” تحاول الانشقاق عن “دولة العراق”، فبعث “البغدادي” مشرفا على الشام هو رئيس مجلس شورى “دولة العراق الإسلامية” ويُدعى “أبو علي الأنباري”، وكان من ضمن مهماته التحقق من نية الجبهة بالانشقاق، واستغرقت منه تلك المهمات ستة أشهر كاملة خرج منها بنتيجة سلبية تنفي نيّات “الانشقاق” المزعوم، إلا أن البغدادي لم يطمئن فسافر بنفسه لسوريا ووصلها مطلع عام ٢٠١٣ لقطع الطريق على “الجبهة” و”القاعدة” بالإعلان الشهير في التاسع من أبريل/نيسان للعام نفسه والذي ألغى “دولة العراق الإسلامية” و”جبهة النصرة”، وأعلن عما عرفه العالم بعدها بـ “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، المسماة اختصارا بـ “داعش”، وهو إعلان أنهى المسيرة المشتركة للتنظيمين، وبدأ سلسلة طويلة من الحروب الكلامية والواقعية ستُعيد تشكيل مشهد “الجهادية” عالميا ومحليّا.
طرأت تحولات عدة على “أبو محمد الجولاني” منذ أول لحظات وصوله لسورية وخلافاته مع دولة العراق ثم بيعته تنظيم القاعدة الأم ثم تحول جبهة النصرة لتنظيم فتح الشام والإعلان عن الانفصال عن تنظيم القاعدة
هذه التحولات كانت تناقضات إيديولوجية وتنظيمية وهيكلية وتغير للدور والمهام المنوط بها “الجولاني” في سورية فهو لم ينفك عن القاعدة فقط بل انقلب على رفاق دربه داخل هيئة تحرير الشام وأعلن جملة اعتقالات في صفوف قادة بعض المتشددين والمهاجرين الأجانب “كالعريدي” بل وأكدت مصادر أن “الجولاني” قام بتزويد التحالف إحداثيات لقادة من القاعدة وتنظيم حراس الدين وهذا ما جعل طبيعة “الجولاني” توصف بالانتهازية والنرجسية وبات يوصف بالرجل البراغماتي المتحول والمتقلب.
بعد التحولات الأيديولوجية والتنظيمية والدور تحول “الجولاني” من رجل متشبه بزعيم تنظيم القاعدة “أسامة بن لادن” حيث خرج بأول ظهور حقيقي له وهو يضع نفس لفة بن لادن على رأسه ويلبس “الجاكيت العسكري المموه” لكن تحولات “الجولاني” البراغماتية اليوم أوصلته للظهور وتسويق نفسه برسائل “عفوية” وهو يزور محل “الفلافل والفول” في ادلب والتقاط “السيلفي” مع المدنيين ثم ظهوره في زيارات المشافي والجرحى ثم ظهوره في المخيمات مع اللاجئين ثم ظهوره مع العشائر والوجهاء ثم أخيراً ظهوره بعيداً عن اللباس العسكري “الشماغ واللفة” والتشبه بأمرائه القدماء، بل ظهر مع مراسل موقع فرونت لاين المراسل الأمريكي “مارتن سميث” وهو يلبس البدلة الرسمية ويهذب أطراف لحيته في مظهر يؤكد أن “الجولاني” يمر في أزمة وتخوف على مصير تنظيمه ومستقبل نفسه فهو اليوم لا يريد العيش هارباً طريداً بل يسعى لتجنب عمليات عسكرية قد تفكك تنظيمه وتؤدي لمطاردته وقتله بدليل تناقضات وتراجعات كان قد صرح بها سابقاً كمهاجمة الحكومة التركية ووصفها “عصا الغرب” بالمنطقة وتكفيرها وكذلك تصريحاته بمنع دخول الروس للطريق الدولي M4 الا انه تراجع ووافق على دخول القوات الروسية ومرافقة القوات التركية التي كان يصفها بعصا الغرب ويقوم بتكفيرها.
اليوم قد غاب تكفير الحكومات عن مصطلحات “الجولاني” بأي تصريح إعلامي وبدأ “الجولاني” يخاطب الغرب عبر صحف غربية وأمريكية بأنه يعكس مصالحهم بالمنطقة خوفاً فقط من خسارته السلطة لأنه يعتبر نفسه الحاكم العسكري والمدني لإدلب،
وهنا السؤال هل ستقبل المعارضة السورية تقلبات “الجولاني” وتنازلاته وتفتح معه صفحة جديدة وتنس الفصائل الثورية التي فككتها القاعدة والجولاني بحجة نفس تصريحات “الجولاني” اليوم أم ستفشل محاولات “الجولاني” تسويق نفسه كقائد شعبي؟