عودة التوترات إلى محافظة السويداء… الأسباب والسيناريوهات
شهدت محافظة السويداء توترات جديدة، خلال الأيام الماضية، واشتباكات عنيفة بين مجموعات أهلية مدعومة من “حركة رجال الكرامة”، ومجموعات تابعة لجهاز الأمن العسكري في نظام الأسد، وأدت الاشتباكات لمقتل 6 عناصر على الأقل، وجرح واعتقال آخرين يتبعون للأمن العسكري، سبقها قطع طريق دمشق – السويداء، وسط دعوات لتظاهرات حاشدة ضد ممارسات القوى الأمنية التابعة للنظام والموجودة في المحافظة، وفيما يلي استعراض سريع لأسباب التوترات وسيناريوهاتها المحتملة:
- أتت التوترات على خلفية مضايقات متكررة من قبل حواجز تابعة لجهاز الأمن العسكري في محافظة السويداء ضد أهالي وسكان المحافظة، حيث قامت مجموعات يقودها المدعو “راجي فلحوط” القيادي في أحد الميليشيات التابعة للأمن العسكري باعتقال عدد من المدنيين عند مدخل مدينة شهبا الواقعة شمالي المحافظة خلال الأيام القليلة الماضية، وبحسب مصادر محلية فإن معظم المعتقلين كانوا من عائلة “الطويل” التي تعد أكبر عوائل المحافظة، ويتعرض أفرادها لمضايقات بشكل مستمر على الحواجز التابعة للأمن العسكري، في حين يبدي أهالي المحافظة تضامنا كبيرا مع أفراد العائلة، حيث قامت مجموعات أهلية الأحد الماضي بقطع طريق دمشق – السويداء من جهتي بلدتي شهبا وعتيل، للمطالبة بالإفراج عن المدنيين المحتجزين لدى جهاز الأمن العسكري، بينما قامت مجموعات تابعة لـ”فلحوط” بإغلاق مدخل مدينة شهبا من جهة بلدة عتيل، ومنع السيارات والحافلات من دخول المدينة، ليتطور الأمر ويهاجم عناصر من “حركة رجال الكرامة” عدة مقرات تابعة للأمن العسكري في المحافظة، موقعين قتلى وجرحى في صفوف عناصر الأخير، وسط أنباء عن اعتقال “فلحوط” بعد محاصرة أحد مقراته، في حين لاتزال الاشتباكات جارية حتى لحظة إعداد هذه الورقة التحليلية.
-
يمكن حصر أبرز السيناريوهات المتوقعة للاشتباكات بسيناريوهين رئيسين:
الأول – تصاعد وتيرة الاشتباكات وتطورها لحالة استعصاء شاملة، واستثمار نظام الأسد لذلك من خلال محاصرة المحافظة وفرض حل عسكري ينهي حالة التمرد المتكررة، إلا أن عددًا من العوائق تواجه هذا السيناريو أبرزها؛ صعوبة قيام نظام الأسد بحشد قواته لاستخدامها في السويداء في الوقت الراهن، وسط انشغاله بتحشيدها في مدينتي تل رفعت ومنبج مع ارتفاع وتيرة التهديدات التركية للمنطقة، إضافة لاستبعاد دخول حلفاء نظام الأسد على الخط ودعمه بأي حل عسكري ضد المحافظة لعدة اعتبارات دولية متعلقة بالمكون الدرزي، في حين قد تواجه القوات المقتحمة مقاومة عنيفة من قبل الحركة التي باتت تمتلك حاضنة شعبية واسعة وترسانة عسكرية لا يستهان بها.
الثاني ـ احتواء نظام الأسد للتوترات كما فعل في المرات السابقة، وترحيل حسم ملف المحافظة عسكريا لحين استقرار المشهد العسكري في الشمال السوري على الأقل، والذي يزيد فرص حصول هذا السيناريو هو لجوء نظام الأسد له في جميع التوترات السابقة التي شهدتها السويداء، ففي حزيران/ يونيو 2020، شهدت المحافظة احتجاجات واسعة مطالبة بإسقاط النظام وقامت قوات النظام باعتقال عدد من المتظاهرين حينها، بينما انتشر عناصر “الحركة” في شوارع السويداء، وحاصروا بعض مقرات “الأمن العسكري” أيصًا، ما دفع نظام الأسد للأفراج عنهم لاحقًا، الأمر الذي تكرر في أيلول/ سبتمبر من العام 2021 عندما حاصر مقاتلو “حركة رجال الكرامة”، مبنى فرع الأمن العسكري في المحافظة، وذلك على خلفية قيام عناصر من ميليشيا “راجي فلحوط” ذاته، باعتراض طريق عناصر “الحركة”، التي أغلقت بدورها جميع الطرقات المؤدية إلى فرع “أمن الدولة” حينها، قبل أن تنتهي التوترات ببعض التعهدات التي قدمها نظام الأسد لـ”الحركة”، الأمر الذي يشير أن “الحركة” استطاعت فرض نفسها كلاعب قوي في المحافظة، بينما لا يرغب نظام الأسد وحلفاؤه ـ فيما يبدو ـ بالدخول في مواجهة عسكرية مكلفة في المحافظة ـ في هذا التوقيت على الأقل ـ ويفضلون عوضًا عن ذلك تحقيق اختراقات أمنية من شأنها تفكيك الحركة وإضعافها على المدى الطويل.