ما مآلات انضمام السودان إلى حلف روسيا – إيران؟
ظهر الجيش السوداني وهو يسلك مساراً أكثر تشدداً في المفاوضات حول الحرب السودانية خصوصاً محادثات جنيف الأخيرة. ووسط موجة من التحول في العلاقات الخارجية يعتزم الجيش الدخول في تحالف مع روسيا التي زارها وزير الدفاع السوداني المكلف اللواء ياسين إبراهيم مشاركاً في منتدى “الجيش-2024” ومؤتمر موسكو الـ10 للأمن الدولي خلال أغسطس (آب) الجاري، بينما زار مدينة بورتسودان مقر الحكومة الموقتة وفد روسي هذا الشهر أيضاً.
وكذلك سيكون التحالف مع إيران التي استعيدت العلاقات الدبلوماسية معها أخيراً، وأعلن ذلك الفريق ياسر العطا (مساعد القائد العام للجيش السوداني) قبل أسابيع أن القوات المسلحة تعمل بجدية لنسج “تحالف دولي جديد” مناهض للغرب. وحسب تعبيره، فإن هذا التحالف “سيقلب المعادلة الداخلية والإقليمية والدولية لمصلحة القوات المسلحة وكسب الحرب ضد ’الدعم السريع‘”.
وعلى رغم تركيز الجيش السوداني على الدخول في تحالف دولي مع روسيا وإيران، بعدما باءت محاولات التحالف الإقليمي بالفشل، فإن الرغبة وحدها لا تكفي لبناء أحلاف دولية، نظراً إلى الاعتبارات الإقليمية والطبيعة غير المسبوقة للحرب السودانية الدائرة منذ الـ15 من أبريل (نيسان) 2023 بين قوات الجيش وقوات “الدعم السريع”. أما بالنسبة إلى شكل التحالف، فلم يظهر على السطح الآن سوى ما يشبه الصفقات، ذلك أن قيادة الجيش لمحت إلى أنها بصدد الوصول مع روسيا وإيران إلى تنفيذ اتفاقين لم يدخلا حيز التنفيذ في عهد الرئيس السابق عمر البشير، وتتعلقان بإنشاء قاعدة عسكرية لكل منهما على البحر الأحمر، أما الشق الآخر من الاتفاق فقد أبرزه اندلاع الحرب، ويتعلق بحصول الجيش على السلاح والمعدات الحربية.
الترحيب الذي لاقاه هذا المشروع على مستوى داعمي الجيش من الإسلاميين وغيرهم هو أنه سيعمل على موازنة هيمنة الولايات المتحدة وتأثيرها في المنطقة وفي الحرب في السودان، في ضوء العداء للنظام العسكري ومحاولتها الوصول بالسودان إلى نظام مدني ديمقراطي.
وفي هذه الظروف تحركت روسيا وإيران نحو توثيق علاقاتهما مع السودان استناداً إلى اعتبارات براغماتية واستراتيجية، فلكل منهما أهدافها الخاصة التي تقدم مقابلها محفزات اقتصادية وعسكرية.
إثارة القلق
وعلى رغم العلاقات الوثيقة بين روسيا وإيران واتفاقهما على زيادة الضغط على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إضافة إلى حاجتهما إلى التعاون العسكري والأمني لإزالة مخاوفهما الأمنية المشتركة، والتعاون الاقتصادي بتطوير النفط والغاز في مناطق مثل بحر قزوين، والدعم السياسي على المستويين الإقليمي والدولي، فإن البلدين لم يدخلا مرحلة “التحالف الاستراتيجي” إلا أخيراً. ومع ذلك لا تزال هناك ثغرات يحاولان ملأها بتفعيل الاتفاقات العديدة بينهما، التي تقف أمامها تحديات العقوبات المفروضة عليهما، غير أنهما يحافظان على ميزة هذه الاتفاقات لكل منهما بأنها على درجة من المرونة بما يكفي للتحرك في مساحات المناورة التي أنتجتها الحروب الأخيرة. ولكل من روسيا وإيران نقاط التقاء واختلاف تقرب مواقفهما وتباعدهما في الحرب السورية وفي اليمن والأزمة في منطقة القوقاز وقطاع غزة، وتبعات ذلك بتعرض بعض حاملات النفط الروسية إلى هجمات “الحوثيين” في البحر الأحمر.
ومع أن روسيا بمعية الصين كانتا من أشد منتقدي الاتفاق النووي مع إيران، باعتباره صنيعة غربية تعود إلى فترة الحرب الباردة، لكن موسكو تجاوزت ذلك وغيرت موقفها في شأن القضية النووية ولم تعد تعارض تطوير إيران قدرات نووية كاملة، ليندمج الأطراف الثلاثة في صياغة مشروع نظام عالمي متعدد الأقطاب.
في هذا التوجه أنشأت تكتلات تنسب إلى “الجنوب العالمي”، وعضويتها في “منظمة شنغهاي للتعاون” ومجموعة “بريكس” عملت على استقطاب بعض القوى الإقليمية ودول صاعدة اقتصادياً، ليست السودان من ضمنها، ولا يتوقع أن تتوافر له مقومات ذلك قريباً، إضافة إلى أن روسيا وإيران لديهما كثير من المحاذير التي تحول دون انجرافهما في الحرب السودانية، ولكن يمكنهما استخدام السودان، خصوصاً البحر الأحمر، كوسيلة لإثارة قلق الولايات المتحدة.
“الردع النشط”
ومنذ اندلاع “الربيع العربي” عام 2011 مروراً بعام 2016 وصولاً إلى عام 2023، كانت دول المنطقة قد أوشكت على أن تشكل تحالفاً إقليمياً ضد إيران، فقد شهدت هذه الفترة عمليات هجوم عدة نفذتها إيران عبر وكلائها الإقليميين، إضافة إلى محاولات وعمليات اغتيال دبلوماسيي الدول العربية خصوصاً ممثلي بعثات دول الخليج العربي في الخارج.
وبعد توقيع الاتفاق السعودي – الإيراني برعاية صينية في بكين في مارس (آذار) 2023 ووضعه حداً للقطيعة التي استمرت سبع سنوات بين الدولتين، حدث انفراج في علاقات إيران مع الدول العربية ومن ضمنها السودان، إذ استعاد علاقاته الدبلوماسية أيضاً، وتطورت العلاقة ووصلت إلى ما رصد بتزويد طهران الجيش السوداني بطائرات مسيرة، استخدمها خلال هذه الحرب ضد قوات “الدعم السريع”.
ومع تعهد إيران باتباع نهج عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم إثارة التوترات الإقليمية، لكن تفعيل الاتفاق والتزامه لا يزالان تحت الاختبار. ويلفت إلى ذلك حديث وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى أن قضية المقاومة هي إحدى أسس السياسة الخارجية الإيرانية المرتبطة بـ”محور المقاومة”، وأن العلاقة بين الميدان والدبلوماسية راسخة، مما يؤكد عزم طهران على تنشيط وتوسيع مجال هذا المحور، لا سيما أنه ذكر أن المحور سيشمل مجالات جديدة في أفريقيا وأميركا اللاتينية وشرق أفريقيا، إضافة إلى المجالات التي تغطيها إيران من قبل.
وكذلك قال وزير الدفاع الإيراني العميد عزيز نصير زادة إن العمق الاستراتيجي لإيران قد تغير مقارنة بالعقدين الماضيين، ومهد الطريق لإنتاج وإعادة إنتاج القوة للعب دور أكبر في المنطقة وخارجها، لا سيما مع التطلع إلى تشكيل نظام عالمي جديد بمشاركة إيران التي تشكل شبكة قوية، وتنظيم قدراتها البشرية والتكنولوجية في اتجاه توسيع حجم وتعزيز “جبهة المقاومة” عبر ركيزتين أساسيتين الصلبة والناعمة، لتحقيق هدف “الردع النشط” عبر “الدبلوماسية الدفاعية”.
دبلوماسية اقتصادية
وخلال مشاركته في المنتدى الاقتصادي الدولي في مدينة سانت بطرسبورغ بروسيا في يونيو (حزيران) الماضي، وقع وزير المعادن السوداني محمد بشير أبونمو اتفاقية امتياز للبحث والاستكشاف عن الذهب والمعادن مع المدير العام لشركة “زاروبيغ جيولوجيا” الروسية، سيرغي رادكوف، في مربع 24 بالولاية الشمالية. وهناك اتفاق موقع بين الجانبين منذ عام 2020 لوضع الخرائط الجيولوجية والجيوكيماوية يعمل به في ثلاث ولايات، هي الشمالية ونهر النيل والبحر الأحمر، وهناك أيضاً اتفاقات متعلقة ببناء مصفاة نفط في مدينة بورتسودان ومحطات حرارية وشمسية في أنحاء البلاد، واستكشاف الغاز في البحر الأحمر والاستفادة منه في إنتاج مصانع يوريا لإنتاج الأسمدة.
وتعد هذه الاتفاقات والمشروعات جزءاً من استراتيجية روسيا لتعزيز تعاونها الاقتصادي مع الدول الأفريقية، ومهدت له بمنتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي الذي شهد حضوراً اقتصادياً لا سيما من دول آسيا القوية اقتصادياً والأفريقية الواعدة إضافة إلى دول أميركا اللاتينية. ويأتي ذلك في ظل اتساع رقعة الصراعات الجيوسياسية واشتعال منطقة الشرق الأوسط، وبتحركها نحو أفريقيا تحاول موسكو أن تبرز كلاعبة دولية فاعلة وقادرة على التغيير.