التصعيد الإسرائيلي في أعقاب اتفاق الجنوب السوري: مؤشرات على تحوّل في قواعد الاشتباك؟

دمشق – مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي
في أواخر نيسان/أبريل 2025، وبعد التوصل إلى تفاهمات محلية هدفت إلى إنهاء التوترات الأمنية في المناطق ذات الأغلبية الدرزية جنوب سوريا، شهدت البلاد تصعيدًا عسكريًا مفاجئًا تمثل في سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية، استهدفت مواقع عسكرية متفرقة على امتداد الجغرافيا السورية، بما في ذلك العاصمة دمشق وأطرافها، ومواقع في ريفي حماة ودرعا وصولًا إلى الساحل.
أولًا: خلفية الاتفاق المحلي
وفق مصادر ميدانية، أُنجز اتفاق سياسي-اجتماعي في 30 نيسان/أبريل 2025 بين الحكومة السورية ووجهاء دروز بارزين من مناطق جرمانا، صحنايا، السويداء، ومدينة الشهباء، بحضور رسمي. هدف الاتفاق إلى إنهاء التحركات الاحتجاجية المسلحة المرتبطة بشخصيات دينية واجتماعية، واحتواء الخلافات المتصاعدة داخل الطائفة الدرزية.
ثانيًا: التصعيد العسكري الإسرائيلي
عقب ساعات من إتمام الاتفاق، رُصدت عمليات مسح واستطلاع جوي نفذها الطيران الإسرائيلي في أجواء العاصمة دمشق، أعقبها تنفيذ غارة جوية استهدفت موقعًا في محيط القصر الجمهوري، في تطور اعتُبر غير اعتيادي في نوعية الأهداف.
وخلال اليوم التالي، تصاعدت الأحداث مع قيام مجموعات مسلحة محلية بمحاولة خرق الاتفاق والاشتباك مع القوات الأمنية، في واقعة تم احتواؤها بمساعدة قيادات محلية.
في ذات الليلة، نفّذت إسرائيل ضربة جوية استهدفت مواقع عسكرية سورية في مناطق متعددة، أبرزها:
-
ثمانية غارات استهدفت في محيط دمشق (حرستا، برزة، القابون، الكسوة وغيرها).
-
مواقع في ريف حماة الغربي (شطحة بريف مصياف).
-
كتيبة دفاع جوي في ريف اللاذقية (رأس الشعرة).
-
منشآت عسكرية في ريف درعا (ازرع – قرية موثبين).
بحسب مصادر ميدانية، أوقعت الغارات أربع إصابات في صفوف الجيش السوري في “أحد المواقع العسكرية“، في ريف حماة، إضافة إلى وفاة مدني في مدينة حرستا نتيجة سقوط شظايا داخل منزله بحسب وكالة سانا.
وفي تطور إضافي مؤكد، صرّح الجيش الإسرائيلي اليوم السبت أن مروحية عسكرية تابعة للجيش قامت بنقل 5 جرحى من محافظة السويداء إلى مستشفى صفد شمال فلسطين المحتلة، وذلك “لمعالجتهم” حسب البيان الرسمي.
ثالثًا: مؤشرات تحليلية
-
الارتباط الزمني بين الغارات الإسرائيلية والتفاهم المحلي مع الطائفة الدرزية قد يشير إلى محاولة إسرائيلية للتأثير على معادلات الداخل السوري جنوبًا، سواء لاحتواء ديناميكيات درزية محلية أو لإيصال رسائل أمنية تجاه الحكومة السورية.
-
يُرجّح أن الغارات كانت ذات طابع متعدد الأهداف، إذ شملت منشآت لوجستية وعسكرية، ومراكز اتصالات، إضافة إلى مواقع يُعتقد أنها تضم مخازن أو تجهيزات دفاعية.
-
محاولة نقل عناصر جرحى من المجموعات المسلحة باتجاه الجولان المحتل، عبر القنيطرة، قد تعزز من فرضية وجود روابط غير معلنة بين بعض الفاعلين المحليين في الجنوب السوري وجهات خارجية.
- نقل جرحى من السويداء عبر مروحية عسكرية إسرائيلية يشير إلى اختراق ميداني عميق في جنوب سوريا، ويعزز فرضية أن بعض الفصائل المسلحة الدرزية تمتلك قنوات تنسيق مع إسرائيل، سواء عبر الجولان أو عبر وسطاء محليين.
رابعًا: تداعيات محتملة
-
تشير ردود الفعل السورية المحدودة إلى تبني سياسة احتواء أمني ودبلوماسي، مع تجنب التصعيد المباشر، بما يعكس أولويات الإدارة الجديدة في دمشق بالحفاظ على الاستقرار الداخلي.
-
كما يمكن تفسير هذا التصعيد الإسرائيلي على أنه اختبار مبكر لسياسات وجاهزية الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، لا سيما فيما يخص ضبط التحالفات المحلية ومراكز القوى المسلحة.
خامسًا: توصيات للمتابعة
-
رصد تفاعل الطائفة الدرزية جنوب سوريا، وتحليل مدى التزام المجموعات المحلية ببنود الاتفاق، مقابل ديناميكيات الاختراق الخارجي.
-
متابعة التحركات الجوية الإسرائيلية المرتبطة بموجات الاستطلاع الإلكتروني، وربطها بالتوقيتات السياسية أو الأمنية الداخلية في دمشق.
سادسًا: ملاحظة ختامية
تشير بيانات الرصد الجوي إلى استمرار تحليق الطيران الإسرائيلي لساعات بعد تنفيذ الغارات، ما قد يعكس نشاط استطلاع إلكتروني معقّد يرتبط إما بملف إعادة ترتيب المؤسسات الأمنية في دمشق، أو برصد مؤشرات تهديد مرتبطة بالبنية التحتية العسكرية في العاصمة والمحيط.