زيارة بشــار لدولة الإمارات .. الخلفية والأسباب والمتغيرات الإقليمية
استضاف مركز مسارات للحوار والتنمية السياسية ندوة بحثية بعنوان ” زيارة بشــار لدولة الإمارات .. الخلفية والأسباب والمتغيرات الإقليمية”
شارك بالندوة كل من:
الأستاذ أحمد رمضان رئيس حركة العمل الوطنـي من أجل سوريـة، مدير الاستشارات الاستراتيجية في الائتـلاف الوطنـي السـوري
الأستاذ عباس شريفة، باحث في الشؤون السياسية
د مصطفى الوهيب، مدير مركز الأناضـول لدراسات الشرق الأدنى
دكتور نصر الحريري رئيس الائتلاف الوطنـي السـوري السابق
المهندس رياض الحسن عضو الهيئة السياسية ومدير مكتب الدراسات في الائتـلاف الوطنـي السـوري
المحامي ياسر فرحان رئيس الهيئة الوطنية لشؤون المعتقلين والمفقودين في سوريـة
دكتور زكريا ملاحفجي عضو المكتب السياسي في حركة العمل الوطنـي من أجل سوريـة وعضو الائتـلاف الوطني السـوري
الأستاذ محمود عثمان، رئيس مجلس إدارة الجمعية السورية الدولية لرجال أعمـال في تركيـا.
الأستاذ عبادة عبيد، إعلامي وباحث سياسي
الأستاذ عبدالرحيم بحـرو، ناشـط سياسي
قدم الأستاذ أحمد رمضان كلمة تمهيدية تحدث فيها عن عدة موضوعات ونقاط أساسية كمدخل لفهم دوافع وخلفيات الزيارة وهي:
حاول الأستاذ أحمد رمضان تقييم الحدث ( زيارة بشار الأسد إلى الإمارات العربية المتحدة )، بالنظر من زواية الصراعات العالمية الكبرى، وهو يقصد الحرب الروسية الأوكرانية التي تزامنت زيارة بشار الأسد للإمارات مع تطوراتها، وليس من زاوية العلاقات الثنائية التي تنشأ بين الدول.
1. الزيارة ليست مجرد تطبيع للعلاقات ومحاولة لإعادة تأهيل النظام، بل هي حركة سياسية استخدمت كأداة صراع ضمن شبكة الصراع الأساسية الحاصلة بين روسيا وحلفائها من جهة وبين أوكرانيا وداعميها من جهة أخرى.
2. لفهم أي شبكة صراع في عالمنا المعاصر، يجب النظر إليها وتحليلها من خلال ثمانية مجالات، تمثل الأدوات الاستراتيجية وغير التكتيكية التي يملكها أطراف الصراع وخصوصاً المنظومات العالمية الكبرى منها، وهي:
– المجال العسكري: هو أحد مجالات القوة وأدوات الصراع الأساسية، ولكنه ليس المجال الحاسم للصراع.
– المجال الأمني والاستخباراتي: وهو قدةر المنظومات على الوصول إلى المعلومات بشكل دقيق ومسبق، والتفوق في هذا المجال مهم جداً، ويضاهي التفوق في العامل الأول (العسكري).
– المجال السياسي: وهو القدرة على بناء منظومات سياسية تتجه نحو مجموعة من الأهداف الاستراتيجية بوضوح.
– المجال الدبلوماسي: وهو القدرة على إدارة العلاقات وبناء التحالفات، ولذلك فهو يرتبط ارتباطاً عضوياً ومحورياً بالمجال السياسي حيث أن الإخفاق فيه يؤدي إلى الفشل سياسياً.
– المجال الاقتصادي: بقطاعاته المحلفة من الصناعة والتجارة والطاقة وغيرها.
– المجال التقني: ويشمل القدرات التكنولوجية والبرمجية والصراع السيبراني.
– المجال الإعلامي: وهو الذي يشمل وسائل الإعلام المختلفة، وكيفية التحكم والسيطرة بالرأي العام وتوجيهه في خدمة الأهداف الاستراتيجية. والمجال الإعلامي يتطلب بالضرورة تفوقاً وقوةً في المجال التقني.
– مجال القوى الناعمة: ويشمل المجتمع المدني والبنى التحتية عموماً، وهي إحدى الأدوات الكبرى في الصراع الاستراتيجي في عصرنا.
الملاحظ أن استخدام أحد هذه المجالات الحيوية والتفوق فيها دون استخدام وحيازة المجالات الأخرى كأوراق شاملة في ممارسة الضغط أثناء عملية الصراع، لا يضمن النجاح والنصر النهائي لأحد أطراف الصراع. ووفق هذا المنظور لا يمكن القول بأن هناك دولة أو منظومة عالمية تحوز القوة الشاملة والكاملة في جميع تلك المجالات الحيوية للصراع الاستراتيجي، ولذلك فالأمر يتوقف على مدى حضور المنظومة أو الدولة في كل مجال بشكل نسبي وليس تام وقطعي. ومثال ذلك القوة الأميريكية التي تملك حضور فعال في كل من المجالات الثمانية، ولكن لا تملكها كلياً.
ومن هنا تبرز أهمية وضرورة التحالفات التي تمكن الدول من حيازة أكبر قدر من القوة في المواجهة على صعيد كافة المجالات الحيوية للصراع.
الأحداث الحالية في الحرب الروسية الأوكرانية أظهرت أن بعض الأطراف كروسيا مثلاً، لديها فقر في أدوات القوة اللازمة في المجالات الحيوية، وفقر في التحالفات التي ظهر أنها هشة وضعيفة. كما أن ضعف روسيا في المجال الأمني والاستخباراتي مقابل الطرف الآخر وداعميه أجهض تفوقها العسكري، ومن الواضح أن أوكرانيا وداعميها من الدول الغربية تفوقوافي المجال الإعلامي بشكل كبير لتفوقهم في مجال التقانة الإعلامية وامتلاكهم أهم وسائل الإعلام العالمية.
في الأزمة الحالية كما غيرها، نشاهد نموذجين لإدارة الصراع:
1. إداة الصراع الشاملة: وهي إدارة غير متسرعة، تعتمد على الخطط بعيدة المدى والعمل التراكمي.
2. إدارة الصراع الجزئية: وهي التي تكتفي باتباع سياسة التهديد الأقصى، وهي إدارة تكتيكية ظرفية تعتمد على إلقاء الأوراق السريعة وعلى الخطط قريبة المدى.
وقد اعتمدت أمريكا – إدارة بايدن على وجه الخصوص – في مواجهتها للتمدد والخطر الروسي إثر غزوها لأوكرانيا، على الصراع الشامل الذي يضمن تعزيز الناتو في شرق أوروبا كهدف استراتيجي، في تحدي واضح للمخاوف الروسية تجاه ذلك.
انطلاقاً مما تقدم، يمكن القول أن هناك مشكلة في العالم العربي في البناء الاستراتيجي، وهي القصور في فهم طبيعة الصراعات الكبرى، والعجز عن بناء استراتيجية خاصة للتعامل مع هذه الصراعات. وإن العالم العربي فقير جداً في أدوات الصراع ومجالاته الحيوية من حيث الأدوات والمقدرات والخطط.
ومازال العالم العربي يعيش مشكلة كبرى وأساسية تتصدر المشهد كله محلياً ودولياً، وهي مشكلة الزعامة والتي تقع الشعوب العربية ضحية لها وللصراع عليها، والصراع الممتد لأكثر من سبعين عاماً. وإضافة إلى ذلك فإن هناك كم هائل من الخلافات الداخلية والإشكالات البينية التي تستنزف جميع إمكانات القوة المتاحة في صراعات عبثية وعقيمة، ولعبت هذه الصراعات البينية دورها كمحدد أساسي في التحالفات العربية، وهذا سبب التقلبات والتحولات السياسية غير المنطقية وغير الاستراتيجية في سياسة الدول العربية، فمواقف هذه الدول غالباً ما تبنى على ردة الفعل لانعدام الرؤية بعيدة المدى، والذي قد يفقدها دعم الرأي العام وبعض التحالفات القديمة.
وأكبر مثال على هذا الفشل والقصور في العالم العربي على صعيد الصراع الاستراتيجي مع الأخطار والتهديدات الخارجية، هو موقفها من تمدد إيران ومشروعها النووي، حيث لا وجود لمشروع استراتيجي جاد يكافح هذا التمدد، وتبنى سياسات الدول العربية تجاه إيران بشكل مؤقت وقائم على ردة الفعل المؤقتة، فنرى تخبطاًفي الخطوات والمواقف العربية تؤدي إلى مساعدة المشروع الإيراني أحياناً بدلاً من إعاقته.
وكنموذج آخر على شلل السياسة العربية هو كيفية تعامل الدول العربية مع النظام السوري، الذي تحالف مع النظام الإيراني مباشرة بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، حيث بني هذا التحالف على أساس طائفي تبادلي غير سياسي، حيث لم تفلح محاولات الدول العربية في ثني النظام السوري عن حلفه القديم مع إيران عبر الوسائل والسياسات المختلفة، ولكن النتيجة كانت صفرية، بل على العكس فقد خدمت النظام السوري وعمقت علاقته التحالفية مع نظام ولاية الفقيه في إيران.