السياسة البديلة لإسرائيل في ظل التوجهات الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط
يتراجع الحضور الأمريكي في الشرق الأوسط بشكل ملحوظ، وذلك وفق أغلب الدراسات والتحليلات، وذلك على المستوى العسكري والسياسي، ولكن ما تأثير هذا التراجع على العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حليفها الأول في المنطقة ؟
إسرائيل لا تعتمد بالفعل في حلفها مع الولايات المتحدة على حجم القوات والأصول العسكرية الأمريكية في المنطقة، بل تعول على جاهزية الولايات المتحدة واستعدادها لاستخدام هذه القوة العسكرية عند الحاجة إليها.
ولأن إسرائيل تتشارك مع الولايات المتحدة الأمريكية في العديد من المصالح والمواقف، والذي يجعلها الحليف الوثيق لأمريكا، مثل مكافحة الإرهاب والعمل على تطويق التمدد الإيراني وتأمين الطاقة وغيرها، فإن إسرائيل أبدت قلقاً من التراجع الأمريكي وضعف المشاركة الأمريكية في الشرق الأوسط مؤخراً، حيث شجع ذلك إيران على زيادة تهديدها لإسرائيل ولدول أخرى.
وكسياسة أمنية واستراتيجية جديدة لجأت إسرائيل لتعزيز أمنها الإقليمي إلى إقامة علاقات وشراكات إقليمية جديدة، واستهدفت إسرائيل الدول العربية بالدرجة الأولى، والتي كانت تربطها بها علاقة تعاون خفي قبل الربيع العربي بفترة طويلة، ولكنها ظهرت إلى العلن وبشكل أشد وضوحاً وصخباً بعد الربيع العربي بسبب المخاوف المشتركة لدى الطرفين من التمدد الإيراني وصعود التيارات الإسلامية، وقد أصبحت إسرائيل تنظر إلى هذه التحالفات والعلاقات الجديدة كسياسة استراتيجية أساسية في مسعى التعويض عن تراجع الدور الأمريكي.
ويبدو أن هناك توافقاً بين كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية على وجوب تطوير علاقات إسرائيل بدول الجوار العربية ودول الخليج، ولزوم تسريع عمليات التطبيع معها، وقد حققت اتفاقات أبراهام هذه الغاية نسبياً، وما زالت الجهود نحو تطوير هذه العلاقات أكثر أكثر.
وقد قابل هذا التوجه لدى الإدارة الإسرائيلية رغبةً ممائلة لدى الدول العربية ودول الخليج كالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، التي شاركتها القلق والاستياء من تراجع الدور الأمريكي الذي كان يشكل لها الحليف الاستراتيجي الضامن لأمنها، وقد بدأت هذه الدول في البحث عن حليف بديل في القوى الكبرى عالمياً كروسيا والصين، ومحاولة إيجاد حليف إقليمي قوي تستعيض عنه بالغياب الأمريكي الجزئي، وهذا ما وجدته تلك الدول في إسرائيل.
وخصوصاً بعد فشل الولايات المتحدة الأمريكية في حمياة السعودية والإمارات من هجمات وكلاء إيران كالحوثيين، واقتراب إيران من امتلاك السلاح النووي، ولذلك في حين أنهت دول خليجية كالإمارات والبحرين عملية التطبيع، فمازالت السعودية تخطو خطوات واضحة نحو التطبيع مع إسرائيل، وقد شجع التوتر المرحلي في العلاقات السعودية الأمريكية الناتج عن موقف أمريكا من قضايا الحرب مع الحوثيين في اليمن ومقتل جمال خاشقجي، وأيضاً فإن التطبيع مع إسرائيل يتماشي مع نظرة وسياسة ولي عهد المملكة محمد بن سلمان الجديدة.
كما يلاحظ التقارب التركي الإسرائيلي الجديد على أنه جزء من هذه الخطة البديلة، حيث استقبل الرئيس التركي أردوغان الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في تركيا، وأبدى استعداده لتحسين العلاقات التركية الإسرائيلية، وتحدث بعض المسؤولين الأتراك عن إمكانية التنسيق مع إسرائيل حول مسائل الطاقة والغاز.
وفي النتيجة، فإن علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية علاقات قديمة وقوية تقوم على الثقة والمصالح الاستراتيجية المشتركة لكل من البلدين، وستستمران في العمل معاً ضد أي قوة تشكل خطر على وجود إسرائيل وأمنها القومي، ولكنهما تسعيان على المدى البعيد على تغيير سياستهما بشكل يسمح للولايات المتحدة الأمريكية بطريقة تقلل نشاطها وانخراطها في الشرق الأوسط، في حين تستطيع إسرائيل المحافظة على حصانتها الأمنية من خلال مجموعة من التحالفات والعلاقات الإقليمية الجديدة التي تعوض به ذلك التراجع الأمريكي.