تمهـيــد
زودت واشنطن بداية شهر كانون الأول / ديسمبر 2022م موسكو بتقرير عن احتمال كبير لحدوث انهيار اقتصادي لدى النظام السوري؛ مما قد يتسبب بموجة من الاحتجاجات، وقد تؤدي تلك الاحتجاجات إلى خروج مناطق واسعة من البلاد عن سيطرة النظام، وما قد يتبع ذلك من انعكاسات أمنية خطيرة، على الوضع كله.
وقد أشار التقرير إلى ضرورة أن تتخذ موسكو إجراءات سريعة لتجنب حدوث هذا الانهيار.
كما عقدت موسكو في يوم 20 نوفمبر / تشرين الثاني اجتماعاً مع عدد من المسؤولين السوريين، وتم طرح الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام السوري، وضرورة إيجاد حل لمنع انهيار الدولة.
وتحدث الروس عن أن العرب يتخوفون من تخلي الأمريكان والغرب عن دعم النظام، لذلك لابد من تقديم حوافز لرجال الأعمال السوريين؛ ليعيدوا استثماراتهم إلى مناطق النظام.
أولاً: مؤشرات الانهيار الاقتصادي لدى النظام:
منذ بداية شهر تشرين الأول / أكتوبر 2022م، بدأت تظهر مؤشرات انهيار اقتصادي لدى النظام السوري؛ حيث وصل ارتفاع سعر الدولار الأمريكي إلى حدود 5 آلاف ليرة سورية، واستمر الانهيار حتى وصل سعر صرف الدولار إلى 5800 ل.س، مع استمرار هروب رأس المال السوري، ورجال الأعمال والمستثمرين، إلى خارج سورية، بسبب ضعف البنية التحتية المساعدة على الاستثمار، وصعوبة التحويل المالي للمستوردين السوريين؛ بفعل العقوبات، وتسلط الأجهزة الأمنية وضباط الجيش على القطاع الخاص؛ لجمع الإتاوات، إضافة لضعف سوق الاستهلاك المحلي، مع انخفاض مستوى المعيشة.
كما تؤكد التقارير الواردة من داخل مناطق النظام، على تفاقم أزمة الوقود في مناطق النظام، منذ شهر أيلول /سبتمبر2022م، إلى اليوم، حيث توقفت الأفران ووسائل النقل عن الحركة في أغلب المحافظات السورية، ولم تتحرك إلا سيارات المسؤولين الكبار في الدولة؛ من رتبة مدير عام ووزير وضباط كبار؛ بسبب فقدان الوقود في مناطق النظام؛ ما تسبب بحالة شلل تام لمرافق الدولة، وتسبب بغياب 90% من الموظفين عن عملهم؛ بسبب عدم توفر وسائل النقل.
كمان أن شيوع حالة الفقر التي بلغت نسبها 95%، رافقتها مظاهر من ممارسة القتل والخطف وتجارة المخدرات، ونشر حواجز للترسيم وجبي الإتاوات من قبل المليشيات الإيرانية، ومن قبل الفرقة الرابعة الموالية لإيران، التي يقودها ماهر الأسد؛ شقيق الرئيس السوري بشار الأسد؛ لدرجة نشر حاجز داخل مطار دمشق الدولي؛ لفرض الإتاوات على المسافرين.
كما تسيطر الفرقة على تجارة الوقود بالتعاون مع قسد وتنشر مفرزة في كل وزارة من وزارات الدولة لجبي الموال من المراجعين حيث تحولت الفرقة إلى دولة داخل الدولة، ولم تعد الدولة قادرة على تقديم أي مساعدة للمواطنين الذين يعيش 60 % منهم على التحويلات الخارجية التي يرسلها أقرباءهم في دول المهجر.
وتسيطر أسماء الأسد – زوجة بشار الأسد – على معظم المرافق الاقتصادية؛ مثل: البطاقة الذكية، والاستيلاء على جميع جمعيات ومؤسسات رامي مخلوف المصادرة، وهو ما أثار سخط الطائفة العلوية ضد النظام، كما تشرف على هيئة مكافحة الفساد؛ وهي هيئة تقوم بابتزاز أصحاب رؤوس الأموال؛ أثرياء الحرب، ومصالحتهم على جزء من أموالهم؛ حيث يتم دفع قسم من أموالهم للنظام، لقاء الإفراج عنهم.
إن ضيق الأحوال الاقتصادية في الساحل السوري، دفعت الطائفة العلوية للهجرة إلى منطقة كردستان العراق؛ عن طريق مطار بيروت الدولي، وقد رصدنا حوالي 50 ألف سوري خلال سنة 2022 معظمهم من الساحل؛ حيث تقوم شركة طيران أجنحة الشام كل يوم برحلتين إلى كردستان العراق، كما تقوم القنصلية الكندية في أربيل بإجراء مقابلات مع المسيحيين السوريين؛ لإعطائهم حق اللجوء في كندا، وهناك تفشي لظاهرة ممارسة الدعارة في مطاعم دمشق، وكل شخص حالياً لدى النظام يمتلك المال هو هدف للقتل، أو للخطف، أو للابتزاز من قبل أمراء الحرب.
كما اشتدت تجارة المخدرات من قبل شبكات النظام؛ للحصول على عوائد مالية، حيث أحبط الأردن يوم 2 كانون الأول / ديسمبر 2022 كمية من المخدرات وحبوب “الكاب تكون” وهي المرة الرابعة التي يقوم بها الأردن بإحباط عمليات التهريب.
كما حدثت انتفاضة واسعة يوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2022م في محافظة السويداء ضد النظام السوري، وفيها جرى حرق مقر المحافظة، وتمزيق صور بشار الأسد، وصور حافظ الأسد؛ احتجاجاً على سوء الأوضاع المعيشية، وسياسة النظام الأمنية، تجاه المحافظة.
ثانياً: السيناريوهات المحتملة:
من الواضح أنَّ السيناريوهات المحتملة لانهيار النظام السوري اقتصادياً هي سيناريوهان اثنان لا غير:
السيناريو الأول: وقف الانهيار الاقتصادي للنظام:
تتخوف الكثير من الدول مثل الولايات المتحدة وروسيا وإيران والأردن وتركيا وإسرائيل من حصول أي انهيار اقتصادي مفاجئ للنظام؛ لما يتسبب ذلك من زيادة تدفق تجارة المخدرات، وعودة انبعاث تنظيم داعش، وتدفق اللاجئين السوريين إلى تركيا وأوروبا، وعدم وجود بديل مناسب لهذه الدول؛ يحل مكان النظام.
إن هذه التخوفات الأمنية ستدفع الدول الفاعلة لاتخاذ الإجراءات المناسبة لتخفيف الأزمة الاقتصادية عن النظام السوري؛ من خلال فتح المعابر التجارية، أو وصول النظام لموارد شرق الفرات، وزيادة استفادته منها؛ على حساب قسد، وزيادة المساعدات الأممية الإنسانية لمناطق النظام، وغض الطرف من قبل واشنطن عن بعض الدول العربية؛ لتقديم مساعدات إنسانية للنظام، والعمل على تقديم حوافز لرجال أعمال سوريين، وتشجيعهم على الاستثمار في مناطق النظام، والمشاركة في عملية إعادة الاعمار، وهو ما سيسهم بوقف عملية الانهيار المتسارعة للنظام.
السيناريو الثاني: استمرار الانهيار الاقتصادي للنظام:
بسبب منظومة الفساد المتوحشة لدى النظام السوري، وتحول الكثير من الضباط والقادة العسكريين لأمراء حرب، إضافة لانتعاش تجارة المخدرات، وفقد الثقة من قبل السكان في مناطق النظام بالنظام نفسه، إضافة إلى مخاوف رجال الأعمال السوريين، وهروبهم خارج البلاد؛ فقد لا يكون هناك آثار ملموسة للمساعدات الإنسانية المقدمة للنظام على الاستقرار والضبط الأمني لمناطق سيطرته، وذلك بسبب نهج النظام المستمر في تصدير أزماته، والاستثمار فيها كورقة ضغط على الدول المعنية؛ لإرغامها على تقديم المساعدات، ورفع العقوبات عنه، إضافة لفقد النظام لأجهزة الدولة الحقيقية القادرة على الإدارة الرشيدة لأي نوع من المساعدات الإنسانية، وهو ما يعني استمرار النظام في الانهيار البطيء، والاستمرار بالضغط على الغرب بملف الهجرة والإرهاب؛ كنتائج لأزمته الاقتصادية، وذلك لإحداث تحول في الموقف الغربي نحو رفع العقوبات بشكل كامل، والبدء بمشروع إعادة الإعمار، بدلاً من المساعدات الإسعافية التي تبقيها في حالة الضعف بدون الانهيار.
التحليل والنتائج:
يدرك النظام السوري أن واشنطن والغرب لن يسمح بانهياره بسبب المخاوف الأمنية، وهو ما سيدفع بالنظام للتهديد بورقة الانهيار؛ لتحصيل أكبر قدر من المساعدات الاقتصادية؛ التي تسمح له بالانتعاش واستعادة قوته.
ومن الواضح أنّ ثمة تخوفات كبيرة لدى الولايات المتحدة الأمريكية من سقوط مفاجئ للنظام السوري، وما يتبع ذلك من فراغ أمني، وفوضى في المنطقة.
ومن المتوقع أن يكون هناك تعاون بينها وبين الغرب وبعض الدول العربية لتفادي ذلك، وسيتم استغلال حاجة تركية لإجراء عملية عسكرية ضد قسد؛ لأجل استغلالها في الانتخابات التركية؛ للضغط على قسد، ودفعها لتقديم تنازلات للنظام السوري؛ تتعلق بوصول النظام السوري للموارد شرقي الفرات “غاز، نفط، كهرباء، مياه”، التي تسيطر عليها قسد؛ لتخفيف الضائقة الاقتصادية عن النظام.
لكن يمكن أن تأخذ شكل الاستفادة من الموارد بدون السيطرة الكاملة عليها، وكذلك لا يتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بإيقاف مفاعيل قانون قيصر بسبب التعقيدات القانونية التي تتعلق بالقانون؛ لإبقائه كعصا بيد واشنطن ضد روسيا والنظام وإيران.
وكذلك فمن غير الممكن أن تغض واشنطن النظر عن قيام الإمارات العربية المتحدة بتقديم دعم اقتصادي للنظام السوري في الجانب الإنساني.
بالنهاية فإن الإجراءات الوقائية التي ستقوم بها واشنطن وموسكو والدول المعنية لتجنب انهيار النظام؛ ربما لن تكون كافية لوقف الاحتجاجات والفوضى الأمنية المتفاقمة، وامتداد هذه الأزمة خارج الحدود السورية، وذلك بسبب منظومة الفساد المتوحشة التي تبتلع كل أنواع المساعدات والدعم الإنساني لجيوبها الخاصة، إضافة لنهج النظام المستمر بالاستمرار في صنع الأزمات؛ من أجل تحقيق مصالحة مع الدول، وليس بالاستقرار.
إن استمرار الانهيار الاقتصادي على هذه الوتيرة، سيؤدي بالنهاية إلى انهيار النظام نفسه، ولن تستطيع الإسعافات الأولية التي تقدمها بعض الدول المعنية بالصراع في سورية من إنقاذه، ولذلك فلا بد من البحث الجاد عن بديل آخر، ينهي هذه الأزمة التي طالت كثيرا.
إعداد وحدة التفكير في مركز مسارات
5 كانون الثاني / ديسمبر 2022 م