مالي تُعيد تشكيل الحياة السياسية: نحو نهاية التعددية الحزبية؟

باماكو – مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي
في خطوة مفصلية تعيد رسم ملامح النظام السياسي في مالي، عقدت السلطات الانتقالية في 29 نيسان/أبريل 2025 اجتماعًا موسّعًا ضم ممثلين عن القوى الوطنية في المركز الدولي للمؤتمرات بالعاصمة باماكو، برئاسة رئيس الوزراء ووزير الداخلية الجنرال عبد الله ميغا. وقد خرج الاجتماع بجملة من التوصيات الرامية إلى إعادة هيكلة النظام الحزبي، وذلك في سياق عملية إصلاح سياسي تتبناها الحكومة منذ إقرار دستور البلاد في تموز/يوليو 2023.
قرارات جوهرية
من أبرز ما خرج به الاجتماع، دعوة صريحة إلى حل جميع الأحزاب السياسية القائمة، وفرض معايير جديدة أكثر صرامة لتأسيس الأحزاب، تتضمن دفع كفالة مالية بقيمة 100 مليون فرنك أفريقي، وحدًا عمريًا للقيادات الحزبية يتراوح بين 25 و75 عامًا. كما تضمنت التوصيات:
-
إلغاء منصب “زعيم المعارضة” الرسمي.
-
وقف التمويل العمومي للأحزاب السياسية.
-
منع الشخصيات الدينية والتقليدية من الترشح للانتخابات.
-
فرض رسوم مالية على الترشح للرئاسة تصل إلى 250 مليون فرنك أفريقي.
-
اعتماد نظام انتخابي من جولة واحدة.
أما على مستوى الرئاسة، فقد أوصت اللجنة بترشيح الجنرال عاصمي غويتا رئيسًا للبلاد لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، مع تعليق جميع الاستحقاقات الانتخابية إلى حين “تحقيق الاستقرار الكامل”.
السياق السياسي والدستوري
تأتي هذه التوصيات في سياق تنفيذ ما ورد في دستور 2023، وتماشيًا مع مخرجات مؤتمرات “إعادة التأسيس الوطني”، التي كانت تهدف لإعادة ضبط العلاقة بين الدولة والمؤسسات الحزبية، في ظل انتقادات وجهت للأحزاب التقليدية بالفشل في تحقيق التنمية والاستقرار السياسي.
وفي تصريح رسمي، وصف رئيس الوزراء هذه التوصيات بأنها “خارطة طريق للخروج من الماضي المظلم”، معتبرًا أن المرحلة القادمة تتطلب أدوات حكم جديدة تتجاوز النخب الحزبية التقليدية، وتعتمد على نموذج مركزي قادر على اتخاذ قرارات حاسمة في ظل ظروف معقدة.
أبعاد إقليمية ودولية
تتزامن هذه التطورات مع تصاعد الضغوط الأمنية والدبلوماسية على مالي، وسط عزلة إقليمية متنامية بعد خروجها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وانتقادات دولية للمسار الانتقالي الذي تقوده المؤسسة العسكرية منذ عام 2021. ويرى مراقبون أن هذه التعديلات قد تُفسر بوصفها محاولة لشرعنة استمرار الحكم العسكري تحت غطاء دستوري، ما يثير تساؤلات حول مستقبل التداول السلمي للسلطة في البلاد.
تقييم أولي
إن مضي السلطات في باماكو في تنفيذ هذه التوصيات سيشكّل تحولًا نوعيًا في البنية السياسية للبلاد، مع ما يحمله من تبعات على مستوى المشاركة السياسية والتعددية الحزبية. وبينما يعتبره أنصار الحكومة مسارًا تصحيحيًا نحو استقرار طويل الأمد، ترى أطراف أخرى أن هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تقليص الحيز المدني وإضعاف التمثيل السياسي، خصوصًا في ظل غياب توافق وطني شامل حول شكل النظام السياسي المقبل.
إعداد: حسين أغ عيسى