بعد خطاب بايدن الأخير… هل اقترب إعلان وقف الحرب في غزة؟
أطل الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أيام ليعلن أنّ إسرائيل عرضت مقترحًا شاملًا بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح جميع الرهائن، وأنّ هذا المقترح الجديد يتكون من ثلاث مراحل تشمل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المعتقلين وإعادة إعمار غزة، وجاءت بعده التصريحات الدولية لتثني على الموقف الأمريكي وتظهر دعمها له وتحث الطرفين على تنفيذه، لكن في المقابل خرجت التصريحات الإسرائيلية لتصف خطاب بايدن بالسياسي الداخلي، وأنه يريد أن يضع إسرائيل في موقف حرج كي تقبل بالاتفاق على الهدنة، بل وصل الأمر بمسؤول إسرائيلي لاتهام بايدن بعدم فهم الواقع، وأن “خطابه ضعيف ويمثل انتصارًا لحماس”، لترد حماس أنها تننظر بإيجابية إلى ما تضمنه خطاب الرئيس الأمريكي من دعوته لوقف إطلاق النار الدائم وانسحاب الاحتلال من غزة، فهل يكون خطاب بايدن مفتاح الوصول إلى وقف إطلاق النار وبداية تنفيذ مراحل الاتفاق؟
إذا نظرنا إلى توقيت خطاب الرئيس الأمريكي فإننا نجده متزامنًا مع سباق محموم على كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة فقد جاء بعد إدانة خصمه ترامب بكل التهم الـ34 الموجهة إليه في قضية دفع أموال بما يخالف القانون، وكذلك سعي بايدن لكسب ثقة الأمريكيين التي تراجعت بشكل كبير مع بداية الحرب على غزة، فجاء الخطاب ليخرجه من عنق الزجاجة التي دخلها عندما قطع وعدًا بحل مشكلة “الأسرى” لدى حماس في أسرع وقت وكان ذلك قبل عدة أشهر، وتعهده بإنهاء الحرب أيضًا، وكذلك الضغط الشعبي الحاصل في بلاده وخصوصا طلاب الجامعات الكبرى الذين خرجوا بمظاهرات حاشدة تطالب بوقف الحرب والهجمة الهمجية على غزة، وعليه، وجد بايدن أنّ الخطاب سيرضي الأطراف جميعًا وسيلقي بالكرة في ملعب إسرائيل وسيزيح الضغط الممارس على إدارته لإعادة ترتيب الأوراق مجددًا.
في المقابل، نجد أنّ التصريحات الإسرائيلية التي تلت خطاب بايدن وخصوصًا اليمين المتطرف كانت لاذعة واعتبرت الخطاب سياسي داخلي ولايلبي مطالب الإسرائيليين، لكنّ ما لُمس من تغير (ولو جزئي) في موقف رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” والذي صرح أنه يقبل بفكرة الهدنة ووقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح الرهائن مع تمسكه بالقضاء على حماس، يظهر أنّ خرقًا حصل بين نتنياهو ووزير المالية سموتريتش ووزير الأمن الإسرائيلي إيتمار بن غفير، فقد صرح الأخير أنّ نتنياهو يماطل بإطلاعه على مسودة الاتفاق، ولا شك أنّ نتنياهو يعيش الآن في حالة عدم استقرار بين الاستجابة لليمين المتطرف والذي هدده بحل الحكومة وبين قبول الاتفاق والسير في مبادرة الرئيس الأمريكي، ويبدو أنّ الأمرين أحلاهما مر بالنسبة له. لكن الذي يظهر في الوقت الحالي أن إسرائيل تعمد إلى تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق والتي تضمن إعادة “الأسرى دون التطرق للمراحل الأخرى التي تلزمها بالإقرار بشكل صريح بأنها مستعدة لوقف دائم لإطلاق النار.
وهنا يظهر دور حماس التي أكدت عبر أحد قياديها “أسامة حمدان” أنها تنتظر موقفًا واضحًا من إسرائيل بالوقف الدائم لإطلاق النار والانسحاب من غزة، واعتبرت أنّ “الاحتلال لا يريد إلا مرحلة واحدة يأخذ فيها الأسرى ثم يستأنف حربه”، وعليه فإنّ إبصار النور لوقف الحرب في غزة يبقى مرهونًا بقدرة الحلفاء على سد الفجوات بين طرفي الصراع وتقريب وجهات النظر، والاعتماد على الخطوط العريضة التي وضعها بايدن في خطابه الأخير، والتي كانت بظاهرها تلبي مطالب حماس و ما طرحته سابقا ووافقت عليه، لكن يبدو أنّ الخلاف في تفاصيل الاتفاق هو ما سيكون عليه النقاش مطولا خلال الأيام المقبلة، و ستحسم نتيجته في معركة عض الأصابع التي يتم خوضها على أرض غزة ومدى صمود أحد القوتين أكثر في أرض الميدان، فكما هو معلوم إنّ الشروط السياسية التي تفرض على طاولة المفاوضات هي نتاج للواقع على الأرض، والمنتصر يفرض شروطه.
ياسر القالش
باحث سياسي ومنتج أخبار