بين إعادة الهيكلة والانقسام الداخلي: قراءة في دمج الحشد الشعبي والضربة الجوية المجهولة في صلاح الدين

بغداد – مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي
في تطور لافت على الساحة الأمنية العراقية، اتخذت الحكومة العراقية خطوة نوعية تجاه دمج ميليشيا “الحشد الشعبي” ضمن المؤسسات الرسمية، وذلك عبر تحويله إلى كيان عسكري معترف به يتمتع بهيكلية واضحة، وأكاديمية عسكرية تحمل اسم “أكاديمية وكلية الحشد”، فُتح باب الانتساب إليها أمام مختلف فئات الشعب، أسوة ببقية التشكيلات الأمنية.
وبحسب مصدر خاص تحدث إلى مركز مسارات، فإن عملية الدمج لم تقتصر على الجانب الإداري، بل شملت إعادة ضبط للسلوك والانضباط داخل التشكيلات، مثل فرض الزي العسكري الموحد، والرقابة المباشرة من قبل وزارة الدفاع العراقية، إضافة إلى إشراف ضباط يحملون شهادات عسكرية رسمية على تأهيل المنتسبين الجدد. وتُعد هذه الخطوة محاولة للابتعاد بالحشد عن طبيعته العقائدية وتحويله إلى جزء من بنية الدولة العسكرية النظامية.
الضربة الجوية الأمريكية.. هدف غامض وسرديات متضاربة
في المقابل، نفذ الطيران الحربي الأمريكي الأسبوع الماضي ضربة جوية مركزة استهدفت مواقع لفصائل مسلحة شيعية في قضاء الدور ومحيط منطقة العوجة بمحافظة صلاح الدين. وقد أفادت معلومات مركز مسارات أن هذه الفصائل لا تنتمي رسميًا إلى تشكيلات الحشد الشعبي، بل ترفض الانضواء تحت مظلة الدولة أو الالتزام بقراراتها.
وبحسب المصدر ذاته، فإن الولايات المتحدة وجهت إنذارًا مسبقًا لتلك الجماعات لمغادرة المنطقة، لكن عدم استجابتها دفع القوات الأمريكية إلى شن الهجوم الجوي.
ورغم إعلان الحكومة العراقية أن الضربة نفذها الجيش العراقي واستهدفت خلية تابعة لتنظيم داعش، إلا أن طبيعة البيان الحكومي تثير الريبة، خاصة وأنه لم يتضمن أسماء المستهدفين أو صورًا توثيقية، كما جرت العادة في العمليات الموجهة ضد داعش. هذا الغموض يعزز – وفق مصدر مسارات – من فرضية أن المستهدفين ليسوا من عناصر التنظيم، بل من فصيل شيعي متمرد على قرار الدمج.
السياق والتحليل
التحرك الحكومي لدمج الحشد الشعبي يتزامن مع ضغوط أمريكية متزايدة لاحتواء سلاح الميليشيات، وضبط تعدد القوى المسلحة في العراق. إلا أن هذه الخطوات تواجه تحديات كبيرة، أهمها رفض بعض الفصائل القبول بالاندماج الكامل، ما يفتح الباب أمام انقسامات داخلية قد تخلق أجنحة خارج السيطرة الرسمية.
في ذات الوقت، يبدو أن الولايات المتحدة تسعى إلى فرض خطوط حمراء على انتشار هذه الجماعات، خصوصًا في المناطق الحيوية ذات الرمزية، كما في محافظة صلاح الدين، موطن الرئيس الراحل صدام حسين، والمنطقة التي تشكل نقطة توازن بين القوى السنية والشيعية في العراق.
خلاصة
يشير التداخل بين جهود إعادة هيكلة الحشد الشعبي والتحركات العسكرية الأمريكية إلى صراع ضمني على “من يحتكر الشرعية المسلحة في العراق”، بين الدولة ومؤسساتها الرسمية من جهة، والفصائل المتمردة من جهة أخرى. وبينما تحاول بغداد فرض معايير الانضباط والاحتواء، لا تزال بعض الجماعات تسعى لتكريس استقلاليتها في القرار والسلاح، ما يجعل الوضع الأمني مرشحًا لمزيد من التعقيد في ظل استمرار هذا التوتر غير المُعلن.
🗂️ مخطط زمني (إنفوغرافيك مقترح): تطور الحشد الشعبي من التأسيس إلى الدمج
1. 2014 – التأسيس:
▪️ فتوى “الجهاد الكفائي” من المرجعية الشيعية بعد اجتياح داعش للموصل
▪️ تشكلت كتائب الحشد بقيادة فصائل شيعية مدعومة من إيران
2. 2016 – الاعتراف الرسمي:
▪️ الحشد يُضم رسميًا كمؤسسة ضمن القوات المسلحة العراقية
▪️ تُمنح رواتب ومزايا حكومية للمقاتلين
3. 2019 – أولى محاولات الضبط:
▪️ قرارات بتوحيد القيادة وربط التمويل والإدارة بمكتب رئيس الوزراء
▪️ مقاومة داخلية من بعض الفصائل
4. 2023 – تصعيد ضد المصالح الأمريكية:
▪️ فصائل شيعية تشن هجمات على قواعد أمريكية في العراق وسوريا
▪️ تصاعد الضغوط الدولية على بغداد لاحتواء الميليشيات
5. 2025 – التحركات الأمريكية والضغط السياسي:
▪️ واشنطن تمهل الفصائل لسحب مقاتليها من صلاح الدين
▪️ الضربة الجوية تستهدف جماعة رافضة للدمج
6. 2025 – خطوة نوعية للدمج الكامل:
▪️ إعلان إنشاء “أكاديمية الحشد”
▪️ إشراف مباشر من وزارة الدفاع
▪️ إلزام المنتسبين بالضوابط العسكرية (حلق اللحية – التدريب العسكري النظامي)