الدراسات والبحوثتحليلات

اتهامات النيجر للغرب بدعم الإرهاب: خطاب سياسي تصادمي أم دلائل على تحولات جيوسياسية؟

نيامي – مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي

1. مقدمة: تصعيد جديد في خطاب نيامي

في مقابلة بثها التلفزيون الرسمي في 31 مايو 2025، أطلق الرئيس النيجري الجنرال عبد الرحمن تياني موجة جديدة من الاتهامات الموجهة لفرنسا والولايات المتحدة وعدد من دول غرب إفريقيا، اتهمهم فيها بدعم جماعات مسلحة مثل “بوكو حرام” و”داعش ولاية غرب إفريقيا” بهدف زعزعة استقرار منطقة الساحل. هذه التصريحات، التي طالت حتى منظمات إنسانية كالصليب الأحمر، تُظهر تصعيدًا حادًا في خطاب النظام العسكري الحاكم في نيامي، وتثير تساؤلات حول مدى واقعية المزاعم وأهدافها السياسية والأمنية.


2. الاتهامات الرئيسية: تنسيق إقليمي مفترض مع الجماعات المسلحة

بحسب ما جاء على لسان الرئيس تياني، فإن اجتماعات سرية جمعت ممثلين عن دول نيجيريا، بنين، وساحل العاج مع قيادات من الجماعات الجهادية في العاصمة النيجيرية أبوجا خلال شهري يناير وفبراير 2025. وتزعم نيامي أن هذه اللقاءات شملت ترتيبات لتقديم دعم مالي ولوجستي للجماعات المتطرفة. كما وصف تياني هذه الجماعات بأنها “أدوات للقوى الاستعمارية الجديدة”، في إشارة إلى استمرار النفوذ الفرنسي والغربي في الشؤون الإفريقية من بوابة الفوضى الأمنية.


3. استهداف المنظمات الدولية: الصليب الأحمر تحت المجهر

خطوة لافتة اتخذتها الحكومة النيجرية تمثلت بطرد بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر من البلاد، بتهمة نقل أموال تستخدم في تمويل الإرهاب عبر فروعها الإقليمية. الاتهام الموجه إلى منظمة ذات طابع إنساني ومحايد يمثل تصعيدًا خطيرًا قد تكون له انعكاسات مباشرة على وصول المساعدات إلى السكان المتضررين من النزاعات، كما أنه يعكس توجّه نيامي نحو تقليص دور الجهات الدولية غير الخاضعة لسيطرتها المباشرة.


4. البعد الإقليمي: إغلاق الحدود والعقوبات غير المعلنة

أكد تياني استمرار إغلاق الحدود مع بنين، متهمًا الحكومة البنينية بدعم الأنشطة الفرنسية في زعزعة أمن النيجر. واستخدم الرئيس النيجري لغة لاذعة في وصف الرئيس البنيني، متهماً إياه بـ”النعامة التي تخفي رأسها في الرمال”، في إشارة إلى عدم تعاطيه بجدية مع الأزمات الأمنية. من جهة أخرى، يُلاحظ أن نيامي اتخذت منحى أكثر مرونة تجاه نيجيريا، إذ فتحت حدودها معها في مارس 2024، رغم وجود اتهامات مشابهة بحق أبوجا، ما يعكس تعقيدات الحسابات السياسية النيجيرية ومصالحها المتشابكة مع دول الجوار.


5. قراءة سياسية: خطاب المواجهة كاستراتيجية حكم

منذ الانقلاب العسكري في 2023، تبنّت حكومة نيامي خطابًا يقوم على نظرية “المؤامرة الخارجية”، بوصفها أداة لتفسير الإخفاقات الداخلية والتملص من الضغوط الغربية. ويبدو أن هذا النمط من الاتهامات، رغم افتقاره لأدلة علنية أو وثائق دامغة، يحظى بتأييد في أوساط القواعد الشعبية المتأثرة بميراث عدائي طويل تجاه فرنسا. إلا أن توجيه الاتهامات إلى جهات بحجم الولايات المتحدة أو الصليب الأحمر قد يدفع النيجر نحو مزيد من العزلة الدولية، في وقت تشهد فيه المنطقة أزمة مركبة على المستويين الأمني والإنساني.


6. التداعيات الاقتصادية: العقوبات غير المعلنة تضر بالداخل

قرار إغلاق الحدود مع بنين، الذي تتخذه النيجر منذ أشهر، يحمل أبعادًا اقتصادية سلبية، إذ تعتمد البلاد بدرجة كبيرة على موانئ بنين، خاصة ميناء كوتونو، كممر حيوي للتجارة والإمداد. ورغم الرغبة في معاقبة الدول التي تدعم فرنسا –بحسب التصور النيجرى– إلا أن هذا الإغلاق يشكل ضغطًا مضاعفًا على الاقتصاد المحلي المتعثر أصلًا.


7. آفاق التحالفات الجديدة: نحو محور بديل؟

يتزامن هذا التصعيد مع سعي نيامي إلى تعزيز علاقاتها مع قوى غير غربية، خصوصًا روسيا وتركيا. وتبدو هذه التحركات جزءًا من استراتيجية إعادة تموضع سياسي وأمني بعيدًا عن الشراكات التقليدية، بما يعكس توجّهًا عامًا لدى الأنظمة العسكرية في الساحل نحو تفكيك الإرث الفرنسي والغربي في المؤسسات الأمنية. مع ذلك، تبقى فعالية هذا التوجه رهينة بقدرة تلك القوى الجديدة على تعويض الدعم الغربي اقتصاديًا وعسكريًا.


8. خلاصة وتقدير موقف: خطاب داخلي بمخاطر خارجية

يُمثل خطاب الرئيس تياني مزيجًا من الواقعية السياسية والانفعالات الشعبوية، حيث يسعى النظام إلى تعزيز شرعيته داخليًا عبر تبني خطاب مواجهة مع “أعداء خارجيين” حقيقيين أو مفترضين. ومع ذلك، فإن استمرار هذا النهج دون تقديم أدلة ملموسة يعرض النيجر إلى مخاطر العزلة الدولية، ويُقوض فرص التعاون الإنساني والأمني الضروري في منطقة الساحل، خصوصًا مع استمرار تمدد الجماعات المتطرفة في مناطق شاسعة من البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى