مقالات الرأي

كم تبلغ العُقُولِ السُّوريّةِ المُهَاجِرَة، وما هو حَجْمُها..؟

تُعْتَبَر قَضيّةُ #هِجْرةِ_الكَفاءاتِ من القَضايا الشّائِعةِ في مُخْتَلِفِ العُصُورِ وفي مُخْتَلِفِ الدُّوَلِ، النّاميةِ مِنْها والمُتَقَدِّمةِ، فَظاهِرةُ هِجْرةِ الكَفاءاتِ تَتْرُكُ أَثَرًا اقْتِصاديًّا واجْتِماعيًّا وتَنْمَويًّا على الدُّوَلِ الفاقِدةِ، وتُعْتَبَرُ #سُورْيا من أَكْثَرِ الدُّوَلِ الَّتي عانَتْ من #هِجْرةِ_الكَفاءاتِ، فما حَجْمُ #هِجْرةِ_العُقُولِ في سُورْيا وما تَأْثيرُها على الدَّوْلةِ والمُجْتَمَعِ السُّوريَّيْنِ؟

#هِجْرةُ_العُقُولِ_السُّوريّةِ تُشَكِّلُ ظاهِرةً سَلْبيّةً على #الدَّوْلةِ_السُّوريّةِ، كما تَعْتَبِرُ قَضيّةً مُحاطةً بالغُمُوضِ في ظِلِّ نُدْرةِ المَصادِرِ المَوْثُوقةِ الَّتي يُمْكِنُ الاعْتِدادُ بها من ناحية حَجْمِها وتَأْثيرِها فعلى الرَّغْمِ من كَثْرةِ الحَديثِ عنها إِلّا أنَّك بِالكادِ تَجِدُ مَصْدَرًا عِلْميًّا أَصيلًا تَناوَلَ هذه الظّاهِرةَ بِبَحْثٍ عِلْميٍّ مَنْهَجيٍّ.

لَم تَنْقَطِع #هِجْرةُ_العُقُولِ السُّوريّةِ خِلالَ العُقُودِ السّابِقةِ وإِنْ كانَت تَزْدادُ وتَنْخَفِضُ تَبَعًا لِظُرُوفٍ مَوْضُوعيّةٍ وذاتيّةٍ، ففي عامِ 2000م وفي دِراسةٍ لِخُبَراءِ الهِجْرةِ والتَّنْميةِ في #الأُمَمِ_المُتَّحِدةِ فَإِنَّ نِسْبةَ المُهاجِرينَ السُّوريّينَ مِمَّن هُم في المُسْتَوَى التَّعْليميِّ الثّالِثِ (الجامِعيِّ وما فَوْق) بَلَغَت 35% من مُجْمَلِ المُهاجِرينَ السُّوريّينَ، إِلّا أَنَّهُم كانُوا حينَها أَقَلّيّةً بِالنِّسْبةِ للهِجْرةِ العالَميّةِ فَلَم يُشَكِّلُوا إِلّا 0,9% من مُجْمَلِ الهِجْرةِ العالَميّةِ.

قَدَّرَتْ دِراسةٌ ل #البَنْكِ_الدَّوْليِّ أَنَّ عَدَدَ المُهاجِرينَ السُّوريّينَ من حَمَلةِ الجامِعاتِ عامَ 2005م بَلَغَ 480,708 مُهاجِرٍ، وتُقَدِّرُ الجَمْعيّةُ الطِّبّيّةُ العَرَبيّةُ الأَمْريكيّةُ أَنَّ عَدَدَ الأَطِبّاءِ السُّوريّينَ في أَمْريكا 6,000 طَبيبٍ، ويُقَدَّرُ عَدَدُ الأَطِبّاءِ السُّوريّينَ في أَلْمانْيا ب 18,000، كُلُّ هذه الأَرْقامِ تَتَعَلَّقُ بِالفَتْرةِ ما قَبْلَ #الأَزْمةِ_السُّوريّةِ.

ازْدادَت #هِجْرةَ_العُقُولِ في ظِلِّ الأَزْمةِ السُّوريّةِ بِشَكْلٍ غَيْرِ مَسْبُوقٍ، وعلى الرَّغْمِ من عَدَمِ وُجُودِ إِحْصائيّاتٍ رَسْميّةٍ تُوَثِّقُ حَجْمَ هذه #الهِجْرةِ فإِنَّ العَديدَ من التَّقاريرِ الصَّحَفيّةِ تَناوَلَت هذه الظّاهِرةَ، فَعَدَدُ المُهاجِرينَ من الأَطِبّاءِ السُّوريّينَ بَلَغَ 33% ومن الصَّيادِلةِ 20%.

بَلَغَ عَدَدُ المُهَنْدِسينَ السُّوريّينَ المُهاجِرينَ 8,500 مُهَنْدِسٍ، وأَساتِذةُ الجامِعاتِ 1,200 أُسْتاذٍ، كَما أَدَّت الهِجْرةُ إلى تَناقُصٍ حادٍّ في أَعْدادِ الهَيْئةِ التَّعْليميّةِ في البِلادِ، حَيْثُ بَلَغَ النَّقْصُ في #جامِعةِ_دِمَشْقَ 43,43% وفي #جامِعةِ_حَلَبَ 45,48 %، وهو ما يَعْني تَراجُعَ مُسْتَوَى التَّحْصيلِ العِلْميِّ في سُورْيا.

في دِراسةٍ اسْتِطْلاعيّةٍ لِمَعْهَدِ بُحُوثِ العِمالةِ “IAB” بالتَّعاوُنِ مع المَكْتَبِ الاتِّحاديِّ للهِجْرةِ واللّاجِئينَ “BAMF” والمَعْهَدِ الأَلْمانيِّ للبُحُوثِ الاقْتِصاديّةِ “DIW” فَإِنَّ نِسْبةَ الأَكاديميّينَ من طالِبي اللُّجُوءِ السُّوريّينَ بين عامَيْ 2013 – 2016م بَلَغَت 22%، واسْتَطاعَ مَرْكَزُ “داد” لِلتَّبادُلِ الطُّلّابيِّ في أَلْمانْيا أَنْ يَسْتَقْطِبَ مِلْيُونًا ونِصْفَ مِلْيُونِ عالِمٍ وباحِثٍ من مُخْتَلِفِ دُوَلِ العالَمِ 15% مِنْهُم من السُّوريّينَ.

تُسَبِّبُ #هِجْرةُ_الكَفاءاتِ في سُورْيا خَسارةً اقْتِصاديّةً مُباشِرةً وغَيْرَ مُباشِرةٍ، وهُنا لا بُدَّ من التَّنْويهِ أَنَّ غالِبيّةَ الدِّراساتِ الَّتي تَناوَلَت الخَسائِرَ المُرْتَبِطةَ بالأَزْمةِ السُّوريّةِ تَتَجاهَلُ خَسائِرَ #هِجْرةِ_الكَفاءاتِ، وقَد يَكُونُ سَبَبُ هذا التَّجاهُلِ عَدَمُ وُجُودِ إِحْصائيّاتٍ رَسْميّةٍ مُؤَكِّدةٍ تُوَضِّحُ حَجْمَ هذه الخَسائِرِ.

تَناوَلَتْ دِراسةٌ سُورِيَّةٌ قَضيّةَ الخَسائِرِ المُرْتَبِطةِ بِ #هِجْرةِ_العُقُولِ، ووَفْقًا لِهذه الدِّراسةِ فَإِنَّ هذه الخَسائِرَ تُقَدَّرُ ب 40 مِلْيارَ دُولارٍ، مُوَزَّعةً كالتّالي: 8 مِلْيارُ دُولارِ خَسائِرُ اقْتِصاديّةٌ مُباشِرةٌ، و 7 مِلْيارُ دُولارِ خَسائِرُ الدَّوْلةِ السُّوريّةِ نَتيجةَ هذه الهِجْرةِ، و 25 مِلْيارِ دُولارِ خَسارةٌ غَيْرُ مُباشِرةٍ تَرْتَبِطُ بِالحاجةِ لِتَدْريبِ وتَعْليمِ بَدائِلَ للعُقُولِ المُهاجِرةِ.

تَتَعَدَّدَ الأَسْبابُ المُؤَدّيةُ لِهِجْرةِ العُقُولِ السُّوريّةِ، منها انْعِدامُ الأَمْنِ، وانْخِفاضُ المُسْتَوَى العامِّ لِلدُّخُولِ، فالدَّخْلُ لا يَتَناسَبُ مع مُسْتَوَى الكَفاءةِ المَوْجُودةِ، وضَعْفُ دَوْرِ مُؤَسَّساتِ البَحْثِ العِلْميِّ ومُؤَسَّساتِهِ، وانْعِدامُ آفاقِ الإِبْداعِ والتَّطْويرِ، وفِقْدانُ الأَمَلِ في إِمْكانيّةِ البَحْثِ عن عَمَلٍ لائِقٍ ودَخْلٍ مُناسِبٍ والوُصُولِ لِمَراكِزِ اتِّخاذِ القَرارِ.

تَزْدادُ أَهَمّيّةُ الكَفاءاتِ في الدُّوَلِ، وهذا ما يُفَسِّرُ ظُهُورَ مُصْطَلَحِ #رَأْسِ_المالِ_البَشَريِّ”، فَهو تَأْسيسٌ لِمَرْحَلةٍ جَديدةٍ من العَلاقةِ بين #عَناصِرِ_الإِنْتاجِ، وتُوَثِّقُ لِظُهُورِ مَرْحَلةٍ جَديدةٍ من عَناصِرِ القُوّةِ فلَمْ تَعُد القُوّةُ العَسْكَريّةُ والاقْتِصاديّةُ هي العامِلَ الأَهَمَّ، بَلْ ظَهَرَ #اقْتِصادُ_المَعْرِفةِ والَّذي يُعْتَبَرُ رَأْسَ الهَرَمِ في مَنْظُومةِ التَّطَوُّرِ الاقْتِصاديِّ والاجْتِماعيِّ، ومِمّا لا شَكَّ فيه فَإِنَّ العُقُولَ هي مُحَرِّكُ هذا الاقْتِصادِ.

#هِجْرةُ_العُقُولِ_السُّوريّةِ ظاهِرةٌ قَديمةٌ، فالمُخَطَّطُ والمِعْماريُّ السُّوريُّ الدِّمَشْقيُّ #أبولودور أَحَدُ أَهَمِّ بُناةِ صُرُوحِ #روما، ولاحِقًا اسْتَقْطَبَت روما #جوليا_دومنا الحِمْصيّةَ وعائِلَتَها، والإِمْبِراطُورُ #فيليب_العَرَبيُّ من أَبْناءِ حوران، وفي القَرْنِ السّادِسَ عَشَرَ الميلاديِّ أَغْرَى السُّلْطانُ العُثْمانيُّ #سَليمُ_الأَوَّلُ مِعْمارِيِّي سُورْيا للهِجْرةِ إلى #الأَسِتانة للمُساهَمةِ في بِنائِها بعدما غَدَتْ حاضِرةَ العالَمِ الإِسْلاميِّ.

في نِهايةِ القَرْنِ التّاسِعِ عَشَرَ وبِدايةً القَرْنِ العِشْرينَ ظَهَرَت مَوْجةُ هِجْرةٍ جَديدةٍ تُعْتَبَرُ الأَكْبَرَ في تاريخِ #سُورْيا بَعْد مَوْجةِ الهِجْرةِ الحاليّةِ، فالعَديدُ من الشَّبابِ السُّوريِّ قَصَدَ الأَمْريكتَيْنِ، إِذْ بَلَغَ عَدَدُ السُّوريِّينَ في #البَرازيلِ وحْدَها عامَ 1914م ما يُقارِبُ 140 أَلْفًا، وساهَمُوا بِشَكْلٍ مُباشِرٍ في بِناءِ البِلادِ وتَأْسيسِ نَهْضَتِها.

شَهِدَ العالَمُ تَجارِبَ دَوْليّةً رائِدةً في التَّعامُلِ مع قَضيّةِ هِجْرةِ الكَفاءاتِ، مِنْها التَّجْرِبةُ المَكْسيكيّةُ والبَرازيليّةُ، وتُعْتَبَرُ التَّجْرِبةُ الهِنْديّةُ أَكْثَرَ هذه التَّجارِبِ تَمَيُّزًا وخُصُوصيّةً، لا سيَّما أَنَّ الحُكُومةَ الهِنْديّةَ اعْتَرَفَت بِصُعُوبةِ اسْتِعادةِ عُقُولِها المُهاجِرةِ، فَقامَت بِتَأْسيسِ مَكاتِبَ لِمُتابَعةِ شُؤُونِهِم في بُلْدانِ المَهْجَرِ والعَمَلِ على الاسْتِفادةِ منهم، وحاليًّا تَبْلُغُ تَحْويلاتُهُم للهِنْدِ 43 بِلْيُونِ دُولارِ سَنَويًّا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى