مقالات الرأي

الحكم المبتذل

تنجر الجماهير على وسائل التواصل الاجتماعي للخوض في مسائل تزيد من الانقسامات المجتمعية بشكل حاد، وخصوصاً تلك المتعلقة بالحركات الإسلامية، حتى يخيل لك أن المشاركة في نقد تصرفاتهم فرض عين على كل فرد أو كيان، وليس فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الآخرين كما هي القاعدة الشرعية الشهيرة، وهو مطلوب فقط في المسائل الكبرى التي لا تحتاج لكثير من إعمال العقول لاستنتاجها.

 

والمثال هنا أوضح من عين الشمس، فما إن انتشر خبر أن حماس قررت إعادة العلاقة مع النظام السوري، حتى انبرى الجميع بتوجيه سهامه إليها، وبغض النظر عن صحة الخبر من عدمه إلا أن الملاحظ هو الاستعداد الفطري غير المبرمج للهجوم على الحركة من قبل معظم الحسابات الفاعلة وغير الفاعلة على وسائل التواصل الأمر الذي ينبغي على الحركة دراسته بشكل عميق وجدي، إذ إنه يشير إلى تردي شعبيتها لدى الشارع العربي وينذر بدخولها إلى نادي الابتذال السياسي العربي.

 

الابتذال السياسي في عالمنا العربي لا يقتصر على الحسابات الوهمية، ولا الحركات الوهمية التي تدعي أن لها آلاف الأنصار، بل يتعدى ذلك بكثير فلدينا حكام مبتذلون وحكم مبتذل، ويأتي على رأس القائمة بشار ونظام حكمه المبتذل بكل ما تعنيه الكلمة وما تحيطه وتتضمنه من معاني.

 

ابتذال النظام لا يقتصر على الكذب ولي عنق الحقيقة فقط بل لديه فائض من الابتذال يصل إلى حد تكرار نفس الكذبة كلما تم ضربه من قبل الكيان الإسرائيلي، وصمته على توجيه رئيس الولايات المتحدة (التي يصنفها دولة معادية) له شتيمة من العيار الثقيل عندما وصفه دونالد ترامب بالحيوان، ناهيك عن الابتذال في معالجة القضايا الداخلية الملحة والضرورية بل والمصيرية.

 

فمن غير المستغرب إذاً في عصر التفاهة والابتذال أن تصل مقاربات بعض الحركات الإسلامية حد الابتذال، فالانحدار لا يقتصر على جماعة دون غيرها ولا على منطقة دون غيرها بل هو شامل، كما أنه يتعدى أيضاً للمنبرين بالرد على المبتذلين أنفسهم!

 

في مثل هذه الظروف تحية احترام لكل الأقلام التي تتجنب الخوض في الابتذال ليس عن قصر بل عن ترفع عن الابتذال والإسفاف ضاربة عرض الحائط وهج وسائل التواصل الاجتماعي التي حلت مكان الأشياء والأشخاص كما قال يوماً المفكر مالك بن نبي “فكرنا خاضع لطغيان الشيء والشخص وهذا السبب سيختفي عندما تستعيد الأفكار سلطانها في عالمنا الثقافي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى