الدراسات والبحوثتقارير

التصعيد التركي والتحركات الأمنية لقوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات: قراءة في المشهد الميداني والاحتمالات الاستراتيجية

دمشق – مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي

مقدمة

تشهد المنطقة الشرقية من سوريا – وتحديدًا المناطق الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) – تحولات أمنية متسارعة، على وقع تصعيد تركي ميداني يتجلى في استهدافات جوية متكررة، ترافقها إعادة تموضع أمني ملحوظ من جانب “قسد”. يعكس هذا الواقع تصدع التوازنات الهشة بين القوى الفاعلة محليًا وإقليميًا، ويؤشر على دخول المشهد في شرق الفرات مرحلة جديدة من إعادة الاصطفاف الأمني والعسكري، في ظل غموض الموقف الدولي وتراجع الدور الأميركي في بعض القطاعات.


أولاً: المعطيات الميدانية

بحسب معلومات حصرية حصل عليها مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي من مصادر ميدانية في المنطقة، فإن ليلتي الأربعاء 7 والخميس 8 مايو/أيار 2025 شهدتا انفجارين متتاليين في القسم الشرقي من مدينة القامشلي، وتحديدًا في حي ميسلون والمناطق المتاخمة له. تؤكد هذه المصادر أن الانفجارين ناجمان عن غارات جوية نفذتها طائرات مسيّرة تركية، استهدفت مقرات أمنية وعسكرية تابعة لـ”قسد” داخل المدينة.

تزامنت هذه الغارات مع تحركات أمنية استثنائية من جانب “قسد”، أبرزها:

  • إفراغ سجن الرقة المركزي، ونقل نزلائه إلى مدينة القامشلي.

  • تنفيذ عملية مماثلة في دير الزور خلال الأسبوع الأول من مايو/أيار.

  • تعزيز التواجد الأمني في محيط المنشآت الحيوية داخل القامشلي، وتكثيف الحواجز في الأحياء الجنوبية والشرقية.


ثانيًا: الجغرافيا المستهدفة وإعادة التموضع

تشير متابعة مركز مسارات إلى أن “قسد” بدأت عملية إعادة تموضع أمني تُركّز فيها وجودها في المناطق التي تُعد تقليديًا أكثر ولاءً أو استقرارًا بالنسبة لها. وتشمل هذه المناطق:

  • عين العرب / كوباني (ريف حلب الشرقي)

  • ريف الرقة الشمالي

  • محافظة الحسكة وريفها، خصوصًا جنوب شرق القامشلي

ويُقدَّر أن هذا التوجه يعكس مسعى لتعزيز مناطق النفوذ التقليدي في مواجهة التصعيد التركي من جهة، واحتواء أي تفكك أمني داخلي محتمل من جهة أخرى.


ثالثًا: تحليل الاتجاهات

تشير المعطيات السابقة إلى ثلاثة اتجاهات تحليلية رئيسية:

  1. تصعيد تركي ممنهج:
    يبدو أن الغارات التركية تمثل جزءًا من استراتيجية تستهدف شلّ القدرات القيادية والعسكرية لـ”قسد”، لا سيما في المناطق التي تضم بنى تحتية أمنية ومراكز قيادة. التوقيت المتزامن للغارات مع التحركات الداخلية لقسد يدل على وجود متابعة استخباراتية تركية دقيقة.

  2. ارتباك أمني داخل قسد:
    نقل السجناء من سجون الرقة ودير الزور إلى القامشلي، وسط إجراءات أمنية مشددة، يُحتمل أن يكون ناتجًا عن تراجع ثقة قيادة قسد بالأمن المحلي في تلك المناطق، أو عن خشية من اختراقات أمنية عقب الضربات الجوية الأخيرة.

  3. غياب ردع دولي فعال:
    حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، لم يصدر موقف دولي حاسم يردع التصعيد التركي أو يحمي البنية الأمنية لقسد، ما يعزز فرضية أن القوات التركية تتحرك ضمن هامش واسع من حرية العمل، مدعومًا بانكفاء تدريجي لقوات التحالف، خصوصًا في ريف دير الزور والرقة.


رابعًا: دلالات أمنية واستراتيجية

من خلال تحليل السياق الأمني والميداني، يستخلص مركز مسارات ما يلي:

  • التحركات التركية تُنذر بتحول في قواعد الاشتباك، لا سيما في حال امتدادها إلى مناطق تعتبر آمنة نسبياً داخل العمق المدني، مثل القامشلي.

  • سلوك قسد يعكس حالة دفاعية وقائية، وليس بالضرورة استراتيجية هجومية، ما يدل على قلق متزايد من انهيارات مفاجئة في بعض خطوطها الخلفية.

  • الاحتمالات المستقبلية تشمل تزايد الانشقاقات أو حالات الفرار داخل الأجهزة الأمنية لقسد، في حال استمرار الضربات وتراجع الغطاء الدولي، وهو ما يستدعي رقابة دقيقة لأي مؤشرات ميدانية بهذا الاتجاه.


خلاصة

تشكّل التحركات الأمنية لـ”قسد” والغارات التركية المكثفة مؤشراً على مرحلة جديدة من التوتر شرق الفرات، حيث باتت المنطقة تعيش حالة سيولة أمنية قد تتفاقم في حال غياب تدخل دولي يحد من التصعيد. وبينما تسعى تركيا إلى تقويض البنية القيادية والعسكرية لـ”قسد”، تسعى الأخيرة إلى تأمين مناطق نفوذها وضمان بقاء حد أدنى من السيطرة الداخلية، في ظل مؤشرات على اختلال في التوازنات السابقة.

يبقى مستقبل المشهد مرهونًا بمدى قدرة “قسد” على احتواء التحديات الأمنية، وبحدود التصعيد التركي، وبمواقف الفواعل الدولية، التي لم تُبلور حتى الآن مقاربة واضحة تجاه ما يجري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى