مقالات الرأي

حضور المسلمين في الجانب الروسي بمعاركهم ضد أوكرانيا: الصورة والدلالات المستقبلية

التعاطي مع هذا الملف لا بد وأن يأخذ في عين الاعتبار نظرة الغرب للحرب في أوكرانيا باعتبارها حربا على الغرب، وهو الأمر الذي يفسر تكتل العقوبات، واتساع نطاق المشاورات بين الدول الغربية، وشمول العقوبات تلك الدول الأوروبية التي يمكن اعتبارها معتمدة تماما على روسيا في مجال الأمن الطاقي مثل ألمانيا وإيطاليا وغيرها من الدول التي تعد إمدادات النفط الروسي ضرورية للحفاظ على معدل نمو اقتصاداتها.

وفي هذا الإطار تكتسب قضية اعتماد الروس على المرتزقة من منطقة الشرق الأوسط أهمية كبيرة من جهة ما تلقيه على العرب والمسلمين من ملامح صورة سلبية، مدعومة بميل الأنظمة العربية للتساهل مع روسيا في هذه الحرب، وبخاصة الدول المسلمة كالسعودية والإمارات، علاوة على دول عربية كبيرة مثل مصر وحتى سوريا.

وتأتي هذه الوجهة في توقيت تتجه فيه قوى ثقافية عربية وإسلامية إما لتأييد الروس، وعلى رأسها قطاع من القوى اليسارية، أو حتى تدعو لعدم اتخاذ موقف من هذه الحرب؛ التي يراها قطاع من الإسلاميين لا ناقة لهم وللأمة فيها ولا جمل.

أ. الصورة: رغم أن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة هي العامل الحاسم الذي يقف وراء المتطوعين السوريين وحتى العراقيين إلى أوكرانيا، فإن الصورة التي تتصدر الدفق الإخباري لا علاقة لها بالاقتصاد والأوضاع المعيشية في سوريا وحتى العراق، بل ستكون الصورة متمثلة في مقاتلين مسلمين يقاتلون شعبا مسيحيا.

ويزيد من قتامة الصورة الذهنية المتولدة عن هذه المشاركة أن الإعلام الغربي يصور ما يحدث في أوكرانيا على أنه مأساة تصيب الغرب وتهدد أمنه، وهي صورة دفعت نحو 63 بالمئة من المواطنين الأميركيين لتأييد العقوبات على روسيا؛ حتى وإن أدت إلى ارتفاع الأسعار؛ وفق ما أعلنه استطلاع رأي طلبته شبكة “سي بي إس نيوز” من أحد بيوت التفكير المعنية بقياسات الرأي العام
وسبق أن أشرنا أن أحد أهم دوافع روسيا للاستعانة بالمرتزقة الأجانب، يتمثل في الرغبة بتجنب المسؤولية العدلية الدولية عما سيحدث في إطار حرب المدن المرتقبة في أوكرانيا، وبخاصة مع اقتراب القوات الروسية من إنجاز محاصرة العاصمة كييف.

غير أن مراقبين يرون أن روسيا ترغب في ألا تتحمل تبعات ما سيجري في أوكرانيا أمام العالم المسيحي. هذا الهدف هو ما دفع موسكو لإشراك قوات الحرس الوطني الشيشاني في المقام الأول، قبل أن يطرح وزير الدفاع الروسي “سيرجي شويغو” ورقة المقاتلين الأجانب بعد زيارته إلى سوريا في 16 فبراير 2022
ومن جانب آخر، وفي نفس السياق المتعلق بصورة المسلمين، ورغم أن القوات المشاركة في الحرب لا تعد من باب الارتزاق، فإن توظيفهم في محاولة اغتيال الرئيس الأوكراني[27]، والذي بات يعد رمزا للدفاع عن الأمن الغربي والهوية الأوروبية، يكمل هذه الصورة، ويزيد من حدتها بضم اليهود إلى جمهور خطاب كراهية المسلمين.

ب. التداعيات المستقبلية: لهذه الصورة التي يراد رسمها عن العرب والمسلمين عبر بوابة المشاركة في القتال إلى الجانب الروسي في أوكرانيا تداعيات عميقة على عدة جوانب.

التأثير على المسلمين في الغرب: مع تصاعد اليمين في القارة الأوروبية، ومع اتساع نطاق حضوره في الولايات المتحدة؛ حتى وإن كان مستقبله السياسي ضعيفا نسبيا، فإن الصورة المرسومة عن العرب والمسلمين من هذه البوابة سيكون لها ظلالها القاتمة على علاقة اليمين المتطرف بهم والتي عانت تدهورا قويا خلال العقد الماضي.

ففي هذا الإطار، سينظر اليمين المتطرف للمشاركة العربية والإسلامية في الحرب ضد كييف باعتبارها أحد مسارات التواطؤ الحضاري من المسلمين ضد الغرب، وسيعتبر هذا التيار أن العرب مسؤولون جزئيا عما حاق بأوكرانيا من دمار، حتى وإن دحر المقاتلون الأوكرانيون هذا الغزو.

غير أن ثمة عاملا مهما ينبغي الإشارة إليه في هذا الإطار، ويمثل قيدا على عملية تشويه الدور العربي والإسلامي في هذه الحرب، وهو الأمر المتعلق بتطوع مقاتلين عرب على الجانب الأوكراني كذلك.

فهذا المسار يمكن له أن يحبط الصورة السلبية التي قد تتولد عن مشاركة المرتزقة في الجانب الروسي. ويتوقف الأمر بخصوص المدى الذي يمكن أن تبلغه الدعاية السوداء ضد العرب والمسلمين على مدى نجاعة الإعلام العربي في إبراز دور المتطوعين العرب في الجانب الأوكراني…. / الإستقلال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: