تصاعد التوتر في ريف دمشق وتدخّل إسرائيلي استثنائي تحت ذريعة “حماية الدروز”

دمشق – مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي
ملخص تنفيذي:
شهدت منطقة أشرفية صحنايا وجرمانا بريف دمشق خلال الأيام الماضية تصعيدًا أمنيًا لافتًا، تمثّل باشتباكات عنيفة بين مجموعات مسلّحة محلية وقوات الأمن السورية، ما أدى إلى سقوط ضحايا من الطرفين، إضافة إلى تمدد الاشتباكات إلى مناطق مجاورة مثل الثعلة والدور بريف السويداء. وفي تطوّر غير مسبوق، أعلن الجيش الإسرائيلي عن تدخّل “تحذيري” في المنطقة بزعم حماية الدروز، ما فتح الباب أمام احتمالات توسيع دائرة النزاع وتعقيد المشهد الأمني السوري. وترافق هذا التوتر مع جهود لاحتواء الأزمة، تمثلت باتصالات سياسية ودينية داخلية وخارجية، ومحاولات لعقد تسويات ميدانية.
أولًا: السياق الميداني للأحداث
تجدّدت الاشتباكات في بلدة أشرفية صحنايا ليل الثلاثاء 29 نيسان 2025، إثر هجوم شنّته مجموعات مسلّحة محلية على حاجز يتبع لإدارة الأمن العام، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى من عناصر الأمن والمدنيين، وفق بيانات رسمية. وتوسّعت رقعة التوتر لتشمل قرى الثعلة والدور، وسط أنباء عن استخدام قذائف هاون وانتشار المجموعات المسلحة في الأراضي الزراعية.
وزارة الصحة السورية أعلنت مقتل 11 شخصًا، فيما تحدثت مصادر أمنية عن استهداف مباشر لعناصر الأمن بقذائف RPG وهجمات على آليات مدنية وعسكرية.
تزامنًا، فرضت السلطات حظر تجول مؤقت في صحنايا، بينما شهدت منطقة جرمانا توترًا مشابهًا أدى إلى مقتل 8 أشخاص على خلفية خطاب تحريضي طائفي انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ثانيًا: التدخل الإسرائيلي وتحولاته
أعلن كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس عن تنفيذ “عملية تحذيرية” بطائرة مسيّرة استهدفت “مجموعة متطرّفة” في صحنايا كانت تُعد لهجوم على الدروز، وفق ما جاء في بيان مشترك.
وبينما أكدت هيئة البث الإسرائيلية أن الهجوم لم يخلّف إصابات وكان بمثابة “رسالة للنظام السوري الجديد”، كشف البيان نية إسرائيل إرسال إشارات واضحة بأنها ستتحرّك لحماية الدروز في سوريا، في حال عجزت دمشق عن ذلك.
هذه الخطوة تعتبر الأولى من نوعها من حيث الإعلان الرسمي والتبرير الطائفي المباشر، وتدلّ على تطوّر في قواعد الاشتباك الإسرائيلية تجاه الداخل السوري، عبر تدخلات موضعية مبرّرة بأسباب إنسانية/طائفية.
ثالثًا: ردود الفعل المحلية والإقليمية
أجرى الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط اتصالات مع أطراف متعددة شملت الحكومة السورية، وتركيا، وقطر، والسعودية، والأردن، بهدف التهدئة. وأسفرت هذه الجهود عن وقف لإطلاق النار دخل حيز التنفيذ، مع تحضيرات لزيارة وفد ديني واجتماعي درزي إلى دمشق لصياغة اتفاق دائم.
الوفد المرتقب يضم الشيخ حمود الحناوي، الشيخ يوسف جربوع، الأمير حسن الأطرش، والشيخ يحيى الحجار، إضافة إلى شخصيات بارزة من جبل العرب. وتهدف الزيارة لتثبيت هدنة مجتمعية، ومنع تطور الصدامات إلى فتنة داخلية ذات طابع طائفي.
في المقابل، دعا الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في فلسطين، الشيخ موفق طريف، إلى “تحرك إسرائيلي فوري” لحماية الدروز السوريين، ما يعكس حجم القلق داخل الطائفة حول مستقبل الوضع الأمني في مناطق تمركزهم.
رابعًا: تعاطي الحكومة السورية والتقديرات الأولية
وصفت الحكومة السورية المجموعات المسلحة بأنها “خارجات عن القانون”، واعتبرت الاشتباكات عمليات “إرهابية” تهدد السلم الأهلي. وأطلقت قوات الأمن عملية تمشيط واسعة في أشرفية صحنايا، وسط تعزيزات عسكرية مكثّفة، وتحليق لطائرات استطلاع في سماء دمشق، خاصة فوق داريا وصحنايا.
كما تمّ تطويق منطقتي صحنايا وجرمانا وإغلاق الطرق المؤدية إلى محافظة السويداء، في محاولة لعزل خطوط الإمداد والتواصل بين الفصائل الدرزية المسلحة، للضغط عليها باتجاه التهدئة أو التسوية.
في تطور لافت، وردت معلومات لمركز مسارات عن توجّه الشيخين الحناوي وجربوع، برفقة الشيخ ليث البلعوس، إلى القصر الجمهوري بدمشق لمناقشة مخرج للأزمة يضمن الحفاظ على التوازن الأمني في مناطقهم، ويمنع تكرار الاشتباكات.
خلاصة وتقدير موقف:
تكشف التطورات الجارية في ريف دمشق عن حالة تفكّك أمني واجتماعي متفاقم، تتغذّى على ضعف الثقة بين الأهالي والحكومة السورية، وتجد في التجاذبات الطائفية والفراغ السياسي تربة خصبة للانفجار. التدخل الإسرائيلي المعلن في المشهد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعقيد، حيث تزداد فرص استغلال الهويات الدينية والطائفية لتحقيق مكاسب إقليمية أو فرض وقائع جديدة على الأرض.
يتوجب على الحكومة السورية إعادة النظر في سياسات الضبط الأمني، والانتقال من المقاربة القمعية إلى مقاربة احتوائية قائمة على الحوار المجتمعي، بما يمنع انزلاق مناطق الأطراف إلى نموذج درعا أو السويداء.
في الوقت نفسه، يبرز دور الجهات الإقليمية – خصوصًا الأردن ولبنان – في التوسّط لمنع تكرار سيناريوهات التفكك، عبر دعم مبادرات التهدئة والحوار المحلي.
يُوصى بمتابعة التطورات في أشرفية صحنايا وجرمانا خلال الأسابيع المقبلة كمؤشر حاسم على اتجاهات الاستقرار أو التصعيد في محيط العاصمة، وعلى نمط التعاطي الجديد الذي قد تنتهجه إسرائيل مستقبلًا في الملف السوري تحت غطاء حماية الأقليات.