هل سيواجه بايدن حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة الجديدة؟
لقد أدى تقاعس الولايات المتحدة إلى تفاقم الأمور، حيث تستعد الأحزاب الأكثر تديناً – وربما نتنياهو- للسلطة.
عندما ذهب الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع يوم الثلاثاء، بدا من المرجح أن بنيامين نتنياهو- رئيس الوزراء السابق المحاصر والمتهم – سيخرج للمرة الثالثة لاستعادة منصبه السابق.
وقد اتضح أن استطلاعات الرأي أظهرت أن فوزًا يمينيًا سيكون أكثر حسماً مما توقعه الكثيرون، وبينما أنتجت الانتخابات الإسرائيلية المتتالية – على مدى العقد الماضي – “أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل”، وهذه الجولة كانت قوية.
وقد كان بيان التطرف والتشدد المناهض للديمقراطية، أقوى بكثير من التصريحات السابقة.
يثبت حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو – مرة أخرى – أنه هو الأكبر في الميدان؛ بحصوله على 32 مقعدا، حتى يوم الأربعاء.
وجاء حزب رئيس الوزراء الحالي يائير لابيد في المرتبة الثانية، بفارق كبير، برصيد 24 مقعدا.
لكن المفاجأة الأكبر في الانتخابات كانت النجاح الباهر لائتلاف الصهيونية الدينية اليمينية الراديكالية، بقيادة بتسلئيل سموتريتش، الذي حصل على 14 مقعدًا، مما يجعله ثالث أكبر حزب في الكنيست الإسرائيلي، ومنح سموتريتش وشريكه إيتامار بن جفير نفوذاً هائلاً في السياسة الائتلافية للحكومة الإسرائيلية القادمة.
لم يتضح بعد ما الذي سيفعله سموتريتش وبن غفير – بالضبط – بهذه القوة، لكنهم إلى جانب الأحزاب الدينية اليمينية شاس ويهودية هتوراة المتحدة، سيكونون في وضع يسمح لهم بالضغط على نتنياهو لتنفيذ مطالبهم، ولا يستطيع التخلي عنهم، وفي حال تخلوا هم عنه فإنهم يستطيعون أن يسقطوا الحكومة، ولن يكون لدى نتنياهو أمل كبير في العثور على دعم آخر من بين أحزاب المعارضة، على الرغم من أن العديد منهم من اليمين أيضًا؛ لأن نتنياهو ما يزال قيد الاتهام، وما يزال ينظر إليه – من قبل الكثيرين – على أنه شخصية مثيرة للانقسام وفاسدة.
إن الانقسام بين شركائه في الائتلاف والمعارضة ليس سياسيًا أو أيديولوجيًا، بل يعتمد على دعمهم لنتنياهو كزعيم لإسرائيل. ونتيجة لذلك فإن الأحزاب اليمينية واليمينية الوسط، تشكل الجزء الأكبر من المعارضة للأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة في الائتلاف.
لقد عانت أحزاب يسار الوسط، واليسار، من انتكاسات خطيرة على مر السنين، وفي هذه الانتخابات الأخيرة.
وقد فشل الحزب الصهيوني الوحيد اليساري حقًا – ميرتس – في الحصول على نسبة 3.25 في المائة، ما لم تحدث زيادة مفاجئة في العد النهائي، من الأصوات المطلوبة للفوز بمقاعد في الكنيست.
وبالكاد تجاوز حزب العمل اليساري العتبة للحصول على أربعة مقاعد.
وانقسمت القائمة المشتركة التي كانت ذات يوم – ومعظمها من الفلسطينيين على نفسها – وفشل أحد أحزابها – حزب التجمع – في تجاوز العتبة، وتمكّن الحزبان المتبقيان في الكتلة – الجبهة والتأعل- من تأمين خمسة مقاعد فقط بينهما.
قلـق دولــــي:
أعربت عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة، عن قلقها بشأن ضم بن غفير وحزبه عوتسما يهوديت (القوة اليهودية) في الائتلاف الحاكم، وقال دبلوماسيون أجانب لصحيفة هآرتس الإسرائيلية اليومية: إنهم قلقون من تصعيد السياسات والأنشطة المؤيدة للاستيطان في الضفة الغربية، كما أعربوا عن قلقهم بشأن الآراء المعادية بشدة لمجتمع الميم من قبل حزب نعوم، الذي هو أيضًا جزء من كتلة الصهيونية الدينية بزعامة سموتريتش وبن جفير.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس للصحفيين، “نأمل أن يواصل جميع المسؤولين الحكوميين الإسرائيليين مشاركة قيم المجتمع الديمقراطي المنفتح، بما في ذلك التسامح والاحترام للجميع في المجتمع المدني، ولا سيما الأقليات”.
كما أعرب ديفيد ماكوفسكي ودينيس روس – من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المؤيد بشدة لإسرائيل – عن قلقهما بشأن تداعيات التحالف الناشئ، على علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، وعلاقاتها الناشئة ببعض الدول العربية.
وقالوا: إن وجود سموتريش وبن جفير في الحكومة المقبلة “سيكون له عواقب وخيمة في إسرائيل على عرب إسرائيل والنظام القانوني، وقد يتسبب مع الفلسطينيين في الزيادة المحتملة في العنف، ما يؤثر على العلاقة مع شركاء السلام العرب لإسرائيل.
وقد حذر عبد الله بن زايد – وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة – حذر نتنياهو خلال رحلة إلى إسرائيل قبل الانتخابات – من أن إدراج سموتريتش وبن غفير سيؤثر سلبا على العلاقة مع الإمارات.
وأفاد موقع أكسيوس بأن اثنين من المسؤولين الأمريكيين صرحا: بأن الولايات المتحدة لن تتعامل مع بن غفير إذا تم تعيينه في منصب وزاري. إن تمسك إدارة الرئيس جو بايدن – بالفعل- بهذا الموقف أمر مشكوك فيه، لكن بن جفير مهتم أكثر بالشؤون الداخلية، ومن المرجح أن يتم منحه وزارة لديها قدر ضئيل من التعاملات مع الدول الأخرى – إن تمت- .
إن القوة والتأثير الذي سيحظى به بن غفير وسموتريتش وشخصيات يمينية متطرفة أخرى في حكومة نتنياهو الجديدة ما يزالان مصدر قلق، لا سيما للقادة المعارضين للحركة نحو اليمين العالمي
وكان نتنياهو قد أقام قضية مشتركة مع قادة اليمين المتطرف في العالم؛ مثل فيكتور أوربان في المجر، وفي بولندا أندريه دودا، وله علاقات عميقة مع الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة.. ومن المؤكد أن هذه العلاقات ستتعمق مع حكومة نتنياهو الجديدة الأكثر يمينية.
يجب على واشنطن إعادة تقييم استراتيجيتها:
مما لا شك فيه أن الميل المتزايد غير الليبرالي المناهض للديمقراطية في الحكومة التي يقودها نتنياهو يثير مخاوف بايدن، ومن المؤكد أن هذه المخاوف ستتعمق، ويجب أن تؤدي إلى إعادة تقييم نهج واشنطن للدبلوماسية مع إسرائيل، لا سيما فيما يتعلق بالفلسطينيين.
كثيرا ما يتم الاستشهاد بالاعتبارات السياسية المحلية لتبرير رفض واشنطن للضغط على الحكومات الإسرائيلية؛ لإيجاد حل ينهي هيمنتها على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
كان الاعتقاد السائد – لا سيما بين الديمقراطيين- أن الضغط على الحكومات الإسرائيلية الأكثر – اعتدالًا- لتقديم تنازلات بشأن القضايا المتعلقة بالفلسطينيين؛ مثل المستوطنات، وهدم المنازل، وعنف المستوطنين، ومشاكل أخرى ، قد يؤدي إلى رد فعل سياسي عنيف في إسرائيل؛ من شأنه أن يؤدي إلى دعم نتنياهو وصعود اليمين المتطرف.
خلال رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط في الصيف الماضي، تم التذرع بـ “عدم اليقين السياسي في إسرائيل” على أنه السبب الذي دفع بايدن إلى إخبار الفلسطينيين أن “الوقت غير مناسب” لعملية دبلوماسية تهدف إلى تأمين حقوقهم وحرياتهم الأساسية التي أنكرتها إسرائيل ومازالت.
وقد عمدت إدارة بايدن إلى التراجع أيضا لاستيعاب حكومة لابيد- نفتالي بينيت الائتلافية المنتهية ولايتها بشأن القضايا الفلسطينية؛ على أمل إبقاء نتنياهو في مأزق.
لقد أظهرت نتائج هذه الانتخابات – بوضوح – عدم جدوى تلك الاستراتيجية؛ على الرغم من جهود بايدن، فقد تحرك الناخبون الإسرائيليون لاحتضان أحزاب اليمين المتطرف؛ التي تدعو علانية إلى الإجراءات والقوانين المناهضة للديمقراطية، والمعادية للفلسطينيين.
لقد أدى تقاعس الولايات المتحدة إلى تفاقم ظروف التقدم بحل مشكلة الحقوق الفلسطينية، وسمح بشكل فعال بحذف قضية الحقوق الفلسطينية، ناهيك عن احتمالات حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وحتى المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل داخل الخط الأخضر، الذين كانوا يأملون بإحراز تقدم أكثر مما حصل في في العام الماضي عندما كان هناك حزب يمثل جزءًا من مجتمعهم لأول مرة في تاريخ إسرائيل، وكان جزءًا من الائتلاف الحاكم فيها، يجدون اليوم أنفسهم في موقف خطير للغاية، بسبب تمكن أحزاب عنصرية علنية في السيطرة على حكومتهم.
وبطبيعة الحال فإن هذا قد حرم ملايين الفلسطينيين الآخرين الواقعين تحت الاحتلال من التصويت، وعليهم الآن الاستعداد لمزيد من الاعتداءات من قبل المستوطنين المتطرفين، والجنود الإسرائيليين، ومن المؤكد أن هذه الحكومة الجديدة ستعتمد بشدة على هذه الحالة، وستدعمها.
إن هذا الوقت ليس وقت الأمل والتفاؤل في أن تتحسن الأمور، ولذلك فإنه من الواجب على إدارة بايدن أن توضح لإسرائيل أن الفلسطينيين يستحقون حقوق الإنسان الأساسية كاملة، وسيكون من الأهمية بمكان أن يتبنى بايدن هذا الموقف بقوة، على الرغم من أن سجله الحافل لا يقدم سوى القليل من الأمل في أنه سيفعل ذلك, ولطالما حرص اليمين الإسرائيلي على “الوقوف” بوجه راعيه في واشنطن، ومنعه من تحقيق وعوده للفلسطينيين.
الكاتب ميتشيل بليتنيك
موقع ريسبونسبيل ستيتكرافت
ترجمة خاصة لمركز مسارات للتفكير الاستراتيجي