تعليق على زيارة الرئيس أردوغان للسعودية بعد توتر لسنوات الدواعي والنتائج
بعد تحضيرات طويلة وإرهاصات متتابعة، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المملكة العربية السعودية والتقى مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 28 أبريل الجاري، في إعلان رسمي عن إعادة العلاقات بين تركيا والسعودية إلى مسارها الطبيعي بعد توتر استمر منذ مقتل خاشقجي أواخر عام 2018 في قنصلية المملكة السعودية في استنبول.
وتأتي هذه الخطوة في سياق عملية تطبيع العلاقات التركية مع دول الشرق الأوسط التي توترت علاقتها بأنقرة في السنوات الأخيرة، وتشمل هذه العملية تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية مع كل من المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، وقد شملت هذه العملية إسرائيل أيضاً.
ويبدو أن تركيا تتجه في سياستها الخارجية من جديد نحو سياسة ” صفر مشاكل ” مع دول الجوار، وهي السياسة التي كان قد نظر لها واتبعها وزير الخارجية التركي السابق أحمد داود أوغلو، وكانت تركيا قد اضطرت للتخلي عن هذه السياسة عقب التهديد الإقليمي المتزايد لأمنها القومي والمتمثل بظهور المنظمات الإرهابية كداعش والفصائل الكردية الانفصالية على حدودها مع سوريا، وتورط بعض دول المنطقة في دعم المحاولة الانقلابية ضد الحكومة الشرعية في تركيا في 15 تموز 2016.
ولكن بعد خروج تركيا للدفاع عن أمنها القومي خارج حدودها، وبعد تدخلها في عدة دول وقضايا إقليمية عسكرياً وسياسياً كسوريا وليبيا، ازداد الضغط على تركيا أكثر فأكثر، وازدادت عزلتها في المنطقة بعد أن أصبحت في محيط من الدول المتصارعة معها والمناوئة لها.
كما أن الفشل النسبي لسياسة اللعب على توازن القوى والتنقل بين التحالفات الكبرى – روسيا وأمريكا – في منح تركيا الحصانة الوطنية والأمن القومي الذي تنشده، وخصوصاً الجانب الاقتصادي منه، دفع القيادة التركية إلى إعادة تقييم شامل لسياستها الخارجية إقليمياً وعالمياً، والاتجاه نحو إعادة ترميم العلاقات مع دول الجوار وتطبيع العلاقات معها بعد سنوات من القطيعة والصراع المتبادل، وذلك بما تقتضيه الضرورة المرحلية للمصلحة الوطنية التركية، وللحيلولة دون مزيد من الضغوط الاقتصادية التي واجهت تركيا وأثرت بشكل سلبي على مصالحها وعلى عملتها الوطنية.
إن ترميم العلاقات التركية السعودية سيدفع البلدين إلى التعاون في عدة قضايا حساسة تهدد أمنهما، وأبرزها ملف الحوثيين في اليمن والذي يشكل تهديداً كبيراً للدولة السعودية بعد الاعتداءات وعمليات القصف المتكرر لأراضيها من قبل الحوثيين، ويمكن القول أن تقارب السعودية مع القوة الإقليمية التركية يمكِنها ولو نسبياً من مجابهة التمدد الإيراني بفعالية أكبر.
وبالنسبة للجانب التركي فإن عودة العلاقات إلى مجراها الطبيعي يمكن أن يضعف التنظيمات الكردية الانفصالية بعد انقطاع الدعم الخليجي لها، كما يساهم في تقوية الاقتصاد التركي وإعادته إلى أسواقه الخليجية بقوة، ومن شأنه أن يعيد الحيوية إلى قطاع السياحة في تركيا بعودة الخليجيين والسعوديين للتوافد إلى تركيا بقصد السياحة.
وعلى العموم تبقى نتائج الزيارة مرهونة بمخرجاتها، ولكنها بكل تأكيد شكلت انعطافة إيجابية واضحة في مسار العلاقات التركية السعودية، وربما تشكل نقطة البدء للمزيد من حلقات التعاون والتزاور بين البلدين.