خيارات بايدن بعد تخفيضات “منظمة أوبك” إنتاج النفط
لقد كان إعلان منظمة (أوبك بلس) للطاقة – التي تقودها السعودية – خفض إنتاج النفط؛ بمثابة طعنة في ظهر الرئيس بايدن.
واشنطن – يواجه الرئيس بايدن خياراً صعباً بعد قرار شركات النفط العالمية العملاقة خفض الإنتاج قبل أسابيع فقط من انتخابات التجديد النصفي الحاسمة؛ التي قد تؤدي إلى رفع سعر البنزين، فهل يجب أن يلتزم بسياسته المتمثلة في استمالة المملكة العربية السعودية؟ أو اتخاذ إجراءات للرد عليها؟
إن إعلان منظمة (أوبك بلس) للطاقة التي تقودها السعودية بأنها ستضخ أقل من مليوني برميل يوميًا، كان يُنظر إليه – على نطاق واسع في واشنطن – على أنه طعنة في ظهر الرئيس بايدن، الذي تخلى قبل ثلاثة أشهر فقط عن تعهده بجعل المملكة العربية السعودية دولة “منبوذة”، وقد سافر إلى المملكة ليدعم ولي عهدها محمد بن سلمان؛ المستبد؛ المتفرد بالسلطة.
السؤال الآن للرئيس بايدن هو: ما العمل مع هذه الخيانة الواضحة له من قبلهم؟
إن تصريحات الرئيس بايدن القصيرة الخجولة للصحفيين يوم الخميس: بأنه يشعر “بخيبة الأمل” فقط، وأنه سيبحث عن إيجاد “بدائل” من دون أن يحدد ماهية هذه البدائل، أصاب الزملاء الديمقراطيين بالإحباط؛ مما رأوا أنه احترام مفرط من الرئيس للسعوديين، وحرضوه على إظهار الصرامة تجاههم قبل موعد انتخابات الكونغرس، وزادوا من الضغط على بايدن لمعاقبة الرياض.
النائب الديمقراطي (توم مالينوفسكي) عن ولاية نيوجيرسي، في مقابلة له – مشيرا إلى الوجود العسكري الأمريكي في المملكة العربية السعودية – قال: “يجب أن يبدأ الرئيس مباشرة في سحب الجنود من المملكة.. إن هذا الإجراء هو الرد المناسب على خطوتهم، وهو وحده الكفيل بردعهم وتراجعهم عن موقفهم الخاطئ، لأنهم لا يستطيعون مقايضة شريكهم الأمني الأمريكي، بشريك أمني روسي، أو شريك أمني صيني؟”.
وقال (تشاك شومر) السناتور من نيويورك وزعيم الأغلبية الديمقراطية: “إن قرار المملكة العربية السعودية بالتحالف مع روسيا – الرئيس فلاديمير بوتين – لدعم أسعار النفط كان خطأ فادحا”، وأردف قائلاً: “ما فعلته المملكة العربية السعودية لمساعدة بوتين على الاستمرار في شن حربه الدنيئة الشريرة ضد أوكرانيا؛ سوف يتذكره الأمريكيون لفترة طويلة، ونحن نبحث في جميع الأدوات التشريعية للتعامل بشكل أفضل مع هذا الإجراء المروع، والساخر للغاية.. لقد أعطى السيد بايدن القليل من الدلالات إلى أي مدى سيذهب”.
ولدى سؤاله عن خفض الإنتاج يوم الخميس، قال الرئيس بايدن: “إننا نبحث عن بدائل للنفط المستورد من دول أوبك بلس. وقال: “لم نحسم أمرنا بعد”،على الرغم من إدارة الرئيس نصحته بالحذر.
وقال: “في نهاية الأمر فإن خفض الإنتاج اليومي سيصل إلى مليوني برميل، وهذا في الواقع نصف هدف، لأن بعض منتجي النفط لم يحققوا أهدافهم كاملة”.
وبدلاً من معاقبة المملكة العربية السعودية، أخذ مساعدو بايدن يركزون أكثر في مواجهة تحركها على الإفراج عن المزيد من النفط من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، والسعي إلى التقارب مع فنزويلا الدولة المنتجة للنفط.
كما يبدو أن الإدارة بدأت تفكر جديا باتخاذ خطوات حاسمة للضغط على شركات الطاقة المحلية لخفض أسعار التجزئة، بما في ذلك فرض القيود على تصدير المنتجات البترولية.
وقال (برايان ديسي) المستشار الاقتصادي الوطني للرئيس، للصحفيين: “لا نعلن عن أية خطوات بهذا السياق، لكن هناك إجراءات سنواصل تقييمها.”
بالنسبة للرئيس بايدن جاء قرار (أوبك بلس) في وقت سيء سياسياً بالنسبة له؛ لأنه راهن أثناء حملة الديمقراطيين لمنتصف مدة الكونجرس على انخفاض أسعار الغاز، وقام رون كلاين، رئيس موظفي البيت الأبيض، بتتبع سعر الضخ بشكل منهجي لعدة أشهر، حيث انخفض بشكل جزئي، وحينها شعر الديمقراطيون بالراحة نتيجة لذلك.
لكن أسعار الغاز ما لبثت أن بدأت في الارتفاع تدريجيا حتى قبل الخطوة التي تقودها السعودية، ويرجع ذلك جزئيا إلى مشكلات المصافي في الساحل الغربي، وفي الغرب الأوسط، حيث ارتفع متوسط السعر بمقدار سبعة سنتات ليصل إلى 3.86 دولار منذ يوم الاثنين، مع زيادة الطلب، وتراجع المخزونات، وعلى الرغم من ذلك فإنه ظل أقل بكثير من سعر الذروة الذي تجاوز 5 دولارات للغالون في يونيو حزيران الفائت.
ويصر السعوديون على أن خفض الإنتاج لم يكن مقصودًا به أن يكون صفعة في وجه بايدن، وقد أرسلوا أوراقًا ورسومًا بيانية إلى مسؤولي الإدارة الأمريكية لتبرير ذلك، مع انخفاض سعر النفط إلى ما دون 80 دولارًا للبرميل في الأيام الأخيرة، وأخبر السعوديون المسؤولين الأمريكيين أنهم قلقون من أن ينزل أكثر إلى السبعين أو الستين، مما يهدد استقرار ميزانيتهم المعتمدة على الطاقة.
ويخشى مسؤولوا إدارة بايدن من أن الأزمة الحقيقية قد تحدث في كانون الأول (ديسمبر) القادم عندما يبدأ سريان الحد الأقصى للأسعار الذي نظمته الولايات المتحدة لتقييد أرباح النفط الروسي، ويبدأ حظر الاتحاد الأوروبي على شراء الخام الروسي.
إن خيارات السيد بايدن لمواجهة خفض الإنتاج محدودة، ولقد أمر بالفعل بإطلاق المزيد من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي، ولكن بما أنه الآن عند أدنى مستوى له منذ أربعة عقود، فإن هناك مخاطرة بحصول نقص حاد في حالة وقوع الحرب أو كارثة طبيعية؛ مثل الأعاصير وغيرها – كما حدث مؤخراًـ .
ويمكن أن يضغط للحد من صادرات الوقود المعالج مثل البنزين والديزل، مما قد يزيد الإمدادات، ويخفض الأسعار محليًا، ولكن هذا الإجراء سيسبب ضرراً للشركاء التجاريين، لا سيما الحلفاء الأوروبيون الذين يحاولون فطم أنفسهم عن الطاقة الروسية، وتحجيم ضغوط التضخم العالمية.
كما يمكن للإدارة أن تفسح المجال لمزيد من التنقيب في الأراضي والمياه الفيدرالية، وتخفيف اللوائح المتعلقة بالحفر والاستكشاف، والسماح بمد خطوط الأنابيب؛ لزيادة الإنتاج المحلي، لكن ذلك قد يؤدي إلى رد فعل عنيف من قبل دعاة حماية البيئة.
وقالت (دارلين والاس) – عضو مجلس إدارة تحالف Oklahoma Energy Producers Alliance – : “إنهم بحاجة إلى تخفيف اللوائح، والإفراج عن كل تلك التصاريح الموجودة على مكتب شخص ما للتنقيب في الأراضي الفيدرالية، ويحتاجون إلى السماح بتشغيل خط الأنابيب KeystoneXL الكندي؛ لإيصال النفط بسهولة وسرعة إلى المستهلكين الأمريكيين، كما يحتاج الرئيس إلى تشجيع المستثمرين على الاستثمار في أعمال النفط”.
قد يؤدي تخفيف العقوبات على إيران وفنزويلا إلى توفير أكثر من مليون برميل من النفط يوميًا، مما سيساعد على خفض الأسعار، وربما يحل محل بعض البراميل الروسية التي تباع الآن لمصافي التكرير الصينية والهندية، لكن المحادثات النووية مع إيران تعثرت، مع أمل ضئيل في تحقيق اختراق، وآفاق التوصل إلى اتفاق مع فنزويلا مازالت غامضة.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال بأن إدارة بايدن كانت تستعد لتخفيض العقوبات للسماح لشيفرون باستئناف الضخ مع بدء التوجه نحو الانتخابات في عام 2024، لكن في بيان للبيت الأبيض أكد أنه “لا توجد خطط لدينا لتغيير سياسة العقوبات على فنزويلا قبل اتخاذ خطوات بناءة من قِبَل الرئيس مادورو “.
وفي تصريحات موجزة للصحفيين يوم الخميس، لم يشر بايدن إلى أي تغيير محتمل تجاه فنزويلا، وقال: “هناك الكثير من البدائل.. ولم نحسم أمرنا بعد”.
ورداً على سؤال عما يتعين على فنزويلا القيام به؛ لإقناع الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات، قال السيد بايدن ” عليها الكثير”.
ودافع الرئيس عن قرار سفره – في يوليو الماضي – إلى المملكة العربية السعودية، حيث تبادل التحية بقبضة اليد مع حاكمها الفعلي؛ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على الرغم من تعهده في حملته الانتخابية بعزل المملكة؛ بسبب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي كان يقيم في الولايات المتحدة، حيث ذكرت وكالة المخابرات المركزية: إنه قتل بأوامر من الأمير محمد نفسه.
وعلى الرغم من عدم الإعلان عن ذلك رسمياً حتى اللحظة، فقد كان المسؤولون الأمريكيون في جلساتهم الخاصة عندما كانوا بالسعودية يقولون: إن لديهم تفاهماً مع المملكة العربية السعودية وقوى الطاقة الأخرى على زيادة الإنتاج بحلول الخريف، لكن السيد بايدن أصر مرة أخرى – يوم الخميس – على أن لديه أهدافاً أخرى في الذهاب إلى المملكة العربية السعودية، مثل تشجيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل؛ حيث قال: “لم تكن الرحلة أساساً للنفط، وإنما كانت الرحلة حول الشرق الأوسط، وإسرائيل، وترشيد المواقف”، وأضاف: “وأما بشأن خفض الإنتاج فأنها مخيبة للآمال، ونقول: إن هناك مشاكل”.
وقال (مالينوفسكي وديمقراطيون آخرون): إن على الرئيس أن يذهب إلى أبعد من مجرد التعبير عن خيبة الأمل.. وقدم مشروع قانون مع النائبين (شون كاستن، وسوزان وايلد)، – وهما ديمقراطيان من إلينوي وبنسلفانيا- يطلب سحب القوات الأمريكية وأنظمة الدفاع من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
إن مشروع هذا القانون سيكون بمثابة بيان لا أكثر، لأن الكونجرس كان خارج انعقاد الجلسات؛ بسبب الانتخابات، لكن السيد (مالينوفسكي) قال: إنه صاغه بعد إجراء مماثل قدمه الجمهوريون في عام 2020، واستخدمه الرئيس دونالد ترامب للضغط على المملكة العربية السعودية؛ لقرار تقليص الإنتاج، في وقت كانت فيه أسعار النفط المنخفضة تشكل مصدر قلق للسعودية.
وقال السيد (مالينوفسكي): “إن على السيد بايدن استخدام التشريع كما فعل ترامب؛ للتأثير على السعوديين؛ فالهدف من مشروع القانون لدينا هو منحه الذخيرة التي يحتاجها”، وتابع: “آمل أن يستخدمه الرئيس؛ لأنه خاطر بنفسه عندما ذهب إلى هناك من أجل تصحيح العلاقة معهم، وهذه ليست الطريقة التي يرد بها الصديق على صديقه من قبلهم، لذلك ينبغي عليهم العثور على أصدقاء جد”.
الكاتب بيتر بيكر- مسؤول أخبار البيت الأبيض في صحيفة نيويورك تايمز
نشر المقال في الجريدة بتاريخ 6/10/2022