اللجنة الدستورية وشرعية عملها القانوني والسياسي
يستضيف مركز مسارات اليوم بلقائه الصحفي الدوري الدكتورة رغداء زيدان عضو اللجنة الدستورية للوقوف على أبرز محطات وأعمال اللجنة الدستورية .
مرحباً بك دكتورة رغداء زيدان
بدايةً ما هو تقييمكم لوضع اللجنة الدستورية، وأدائها، ووثيقة المبادئ التي صدرت عنها؟
لم يكن تشكيل اللجنة الدستورية مثالياً، فعدم وجود اتفاق سلام وحل سياسي في سورية ، و عدم تفعيل السلال الأخرى ، كل ذلك ينعكس على أداء اللجنة و مخرجاتها .
حتى الآن لم تنتج اللجنة الدستورية أي شيء ، رغم مرور أكثر من سنة على انشائها ، كما أن عدد الجولات التي انعقدت عملياً جولة ونصف فقط ، فالجولة الأولى كانت افتتاحية وتم فيها تقديم كلمات عامة ، بينما الجولة الثانية كما تعلمون لم تدخل الوفود قاعة الاجتماعات أصلاً ؛ بسبب الخلاف حول الأجندة ، وكذلك في الجولة الثالثة وبسبب ظهور إصابات كورونا لم تنعقد إلا نصف جلسات الجولة ، وهذا يعني أننا حتى الآن لم ننجح بعقد جولات كافية ، وما تم عقده كان عنوان نقاشاته “المبادئ الوطنية” أي أنها نقاشات خارج نطاق الدستور .
أما ما تشيرون إلى أنه وثيقة مبادئ صدرت عنها، فليس هناك شيء من هذا. ما تم نشره هو ورقة قدمها وفد المعارضة كتلخيص لكلمات أعضائه خلال الجولة الرابعة، وهي ورقة غير ملزمة وليس لها سند قانوني، وبالتالي ليست أكثر من حبر على ورق.
كثر الحديث – في الآونة الأخيرة – عن مسار اللجنة الدستورية ، وظهرت دعوات لإعادة النظر في شرعية أدائها ودورها وتمثيلها لاعتبارها مخاضاً لسوتشي ، ولعبة إلهاء روسية للمعارضة ، فما هو برأيكم مدى دور وفاعلية اللجنة الدستورية في هذه المرحلة ؟ وهل استطاعت تقديم أي أطروحات أو مبادرات جديدة؟ وما هو ردكم على شرعية عمل اللجنة الدستورية والتفرد بقراراتها ؟
للأسف فإن التعامل مع اللجنة الدستورية يتم باعتبارها مسار الحل السياسي في سورية ، وهذا غير صحيح مطلقاً ، هي في أحسن أحوالها نافذة من نوافذ الحل السياسي ، ولا يمكن أن تكون هي الحل ، فالمشكلة في سورية ليست مشكلة دستورية فقط ، بل هي مشكلة استبداد حاكم ، وإدارة دولة قمعية، وحقوق مهدورة ، ومواطنة مغيبة ، وانتهاكات تنتظر المحاسبة …. لكن القرارات الدولية التي صدرت وقدمت صورة عامة للحل السياسي مازالت معطلة، وتم الاكتفاء – حالياً -بالعملية الدستورية فقط، وهذا بحد ذاته خطأ كبير بحق الشعب السوري الذي مازال يعاني منذ عشر سنوات بانتظار الحل السياسي الذي يعيد له الأمن والحرية والكرامة.
دور اللجنة الدستورية اليوم برأيي هو: أن تحفز الفاعلين الدوليين والأمم المتحدة على فتح المسارات الأخرى للحل في سورية .
وفي جو التعطيل الذي يعيشه المسار التفاوضي ، ربما تستطيع اللجنة الدستورية أن تبين ضرورة تفعيل هذا المسار، فكثير من القضايا الدستورية بحاجة لاتفاق سياسي تستند إليه في عملها .
كما أن اللجنة الدستورية هي الآن المنبر الوحيد العامل في القضية السورية ، وهو منبر غير كافٍ بالتأكيد ، لكن إغلاقه دون فتح منابر أخرى خسارة برأيي للقضية السورية ، وزيادة في هدر الجهود وضياعها .
هل صحيح رَفَضَ السيد بيدرسون تعديل مصطلح “العدالة التصالحية” ؟ وهل تجدونه خطأ ترجمة ؟ وهل تجدون مشكلة اللجنة الدستورية مشكلة أزمة مفاهيم ومصطلحات ؟ أم هي أزمة تمثيل ودور ؟
ما قيل عن رفض السيد بيدرسون تعديل مصطلح “العدالة التصالحية” لم يصلنا منه ، وقد تم كما تعلمون نشر توضيح بوقوع خطأ تقني في إحاطته أدى لاستخدامه مصطلح “عدالة تصالحية”. وسواء كان ما حصل خطأ ترجمة أم لا فإن ما يهمني كعضو لجنة مصغرة عن وفد المجتمع المدني أن يكون هناك دقة في النقل ، خاصة وأن مدونة السلوك تمنعنا من نشر محاضر الجلسات ؛ ولذلك كان اعتراضنا على ما حصل ، وطلبنا التصحيح ، وقد حصل . نحن لم نذكر “العدالة التصالحية” وذكرنا في مداخلاتنا “العدالة الانتقالية”.
وفي الورقة التي قدمناها حول حق اللاجئين في استرداد أملاكهم ذكرنا أنه لا يلجأ “للعدالة التعويضية” التي يجب أن تجري عن طريق محكمة مستقلة ومحايدة إلا في حال تعذر الاسترداد .
مشكلة اللجنة الدستورية هي مشكلة تمثيل و دور، وأيضاً عندنا مشكلة في المصطلحات والمفاهيم . إن استخدام المصطلح في غير مكانه، أو في غير وقته، أو خارج سياقه، سيكون له منعكس سيء على العملية برمتها.
وكما قلت هناك من يتعامل مع اللجنة الدستورية وكأنها الحل في سورية، وهذا غير صحيح مطلقاً كما بينت.
كيف يمكن إستعادة استقلالية القرار السوري ؟ ورفع رصيد المستوى الدبلوماسي لمؤسسات الثورة وأفرادها بعيداً عن التجاذب والاستقطاب ؟
رغم التدخل الدولي المتعدد في سورية – لكن برأيي – لن يستطيع أي طرف تحقيق ما يريد بعيداً عن موافقة السوريين أنفسهم ، وأكبر مثال : أن روسيا اليوم – وهي الفاعل الأكبر في الملف السوري – لم تستطع تعويم نظام الأسد ، رغم سيطرتها على مساحة واسعة من سورية ؛ والسبب أن السوريين رفضوا العودة لحكم هذا النظام ، وفضلوا البقاء في الخيام على العودة .
وهذا يرسل رسائل هامة – برأيي – لكل الفواعل الدولية مفادها : بأنهم لن يستطيعوا فعل ما يريدون في البلد دون موافقة السوريين أنفسهم ، وفي النهاية فإن مهمة إدارة البلد وإعماره وبناء الدولة من جديد هو مهمة سورية خالصة لن تقوم بها أي دولة أخرى .
نحن بحاجة لتوحيد الجهود ، وللاستفادة من جميع الإمكانات ، وجعلها تصب في مصلحة الحل الذي يحقق حرية وكرامة الشعب السوري ، ويزيح عنه الاستبداد والظلم ، مهما تعدد الجهات الفاعلة .
فالمطلوب هو : وحدة الهدف ووحدة الغاية .
يجد البعض – اليوم – أن أعضاء اللجنة الدستورية عليهم أن يتحملوا مسؤولية الموقف الوطني بالاستقالة أو العودة لهيئة حكم انتقالي ، و ذلك لأن روسيا ستدفع في نهاية الأمر للعودة لحضن الوطن ، ما هو ردكم على من يطالب بالاستقالة ؟ وهل تجدونه حلاً في حال لم يكن هناك حلول أخرى؟
عندما قبلتُ شخصياً بالتواجد في اللجنة الدستورية – رغم معرفتي بكل المثالب المرافقة لها – كنت أسعى نحو خدمة القضية السورية ضمن المنبر السياسي المتاح ، ولم يكن في ذهني أن هذه اللجنة يجب الاكتفاء بها للوصول إلى الحل السياسي ، بل كنت وما زلت أجد أن علينا جميعاً الضغط لفتح المسارات الأخرى للحل في سورية .
الصعوبات كبيرة أمامنا ، لكن ما زلت أؤمن بأن الأمر يستحق المحاولة ، وهذا لا يعني التمسك المطلق بهذا الرأي . أما أن موضوع العودة لحضن الوطن فهذا لن يكون وفي سورية نظام فاسد مستبد مجرم .
العودة لحضن الوطن هي المهمة التي يجب العمل على تهيئة متطلباتها لكل السوريين وعلى رأس هذه المتطلبات إزاحة نظام الاستبداد والإجرام والفساد عن حكم سورية والتحكم بها .
ما هو رأيكم بعمل الائتلاف السوري ؟ وتقييمكم لمنجزاته في نهاية العام ؟ وهل الائتلاف قادر على إصلاحٍ حقيقي وتوسيع دائرة القرار بالمشاركة السياسية ؟ أم سيبقى الوضع في بداية العام الجديد على ما هو عليه ؟
هناك محاولات لإصلاح الائتلاف ، أرجو أن تكون جادة ؛ لأنها لو لم تكن جادة وحقيقية فمعنى هذا أن نزيد من خسائرنا على المستوى السياسي .
اليوم وصلنا إلى ما نحن فيه من ضعف بعد أن ضاعت فرص كثيرة ، وارتكبت أخطاء كبيرة ، والشعب السوري الذي صبر وقدم كل هذه التضحيات يستحق قيادات معارضة على قدر المسؤولية . أملي بأن يتم تجاوز الأخطاء ، وأن يستطيع الائتلاف تصحيح وإصلاح بنيته وأدائه ، ففي النهاية ما يهمنا هو مصلحة القضية السورية وليس نجاح أشخاص أو فشلهم .
حسب دراسات قانونية أكدت أن وثيقة اللجنة الدستورية تخالف قرارات مجلس الامن ولا سيما ٢٢٥٤ الذي يدعو لحكم انتقالي ثم تعديل دستوري ، وحصر ملف اللجنة الدستورية ضمن مخرجات سوتشي الذي حضره النظام بدعم روسي ، ما تفسير ذلك ؟
أين هذه الدراسات القانونية ؟ أظن هذا السؤال تمت عملياً الإجابة عنه ضمن الأسئلة السابقة ولا أحبذ الدخول في مثل هذه النقاشات التي تتجاهل الإجابة عن سؤال : كيف وصلنا إلى هنا ؟ وما السبب ؟
ماهي المرجعية القانونية والسياسية للجنة الدستورية ؟
حسب ورقة القواعد الإجرائية للجنة الدستورية فإن مرجعيتها القانونية والسياسية هي القرار 2254 والمبادئ الإثنى عشرة الحية ، والبيان الختامي لمؤتمر سوتشي ، كإسهام في مسار جنيف . كما يلي يتصرف مبعوث الأمم المتحدة الخاص الى سوريا وفق ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه ومقاصده وكل ما إتخذه مجلس الأمن بشأن سوريا من قرارات ذات صلة وإستنادا على الالتزام القوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها .
ماهي آلية اتخاذ القرارات في اللجنة الدستورية ، و هل تضمن النجاح لأي مبادرة للمعارضة ؟ و إلا كيف سيتم التوافق بقرارات لرئيسيين أو مندوبين ، واحد مرجعيته الثورة ، و الآخر مرجعيته دستور ٢٠١٢م والنظام و الأفرع الأمنية ؟؟
بحسب القواعد الإجرائية للجنة ، يتم اتخاذ القرار وفق ما جاء في المادة الثالثة من تلك القواعد ، بأن يحكم عمل اللجنة التوافق ، والانخراط البناء بغية تحقيق الاتفاق العام لأعضائها …… وإلا فبتصويت 75% على الأقل من أعضاء اللجنة ( الموسعة و المصغرة ) ، وتكون نسبة ثابتة .
ومن الواضح أن الوصول إلى التوافق في ظل ظروف اليوم أمر شبه مستحيل ، و كذلك الحصول على نسبة تصويت 75% . لكن إذا تغيرت المعطيات الخاصة بالوضع السوري فإن الأمر سيتغير .
كلمة أخيرة موجهة من حضرتكم حول اللجنة الدستورية وعملكم ، وهل من خطط جديدة لمواجهة انتخابات رئاسية قادمة تعيد شرعية بشار الأسد ، مع كل الشكر .
اللجنة الدستورية ليست الحل ، بل ربما تكون مفتاح الحل إن أحسنا الاستفادة منها فيما يصب في مصلحة القضية السورية .
أما فيما يخص الانتخابات الرئاسية القادمة فهي مثل الانتخابات الرئاسية عام 2014 ومثل انتخابات ما يسمى مجلس الشعب الأخيرة ، لا أثر لها ولن تحل مشاكل النظام مع شعبه ، ولكن علينا العمل على بيان زيف هذه الانتخابات وعدم شرعيتها ، خاصة وأن حوالي نصف الشعب السوري ما بين لاجئ ونازح ومهجر ومعتقل ومغيّب ، كما علينا الضغط من أجل فتح مسارات الحل السياسي في سورية ، والضغط للتطبيق الكامل للقرارات الدولية خاصة القرار / 2254 / .