قراءة تحليلية لتصريحات وزير الخارجية التركي الأخيرة وموقف قوى الثورة السورية
صرح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الأربعاء 27 تموز/ يوليو، أن بلاده أجرت سابقًا محادثات مع إيران بخصوص إخراج “الإرهابيين” من المنطقة، مضيفًا، “سنقدم كل أنواع الدعم السياسي لعمل النظام (السوري) في هذا الصدد”، وذلك بحسب ما نقلته وكالة الأناضول التركية.
وتابع أوغلو أن من “الحق الطبيعي” لنظام الأسد أن يزيل “التنظيم الإرهابي من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابية”.
في حين أصدر المجلس الإسلامي السوري، أمس الخميس 28 تموز/ يوليو بيانا بعنوان “لا إرهاب يعلو فوق إرهاب عصابة الأسد” وأكد خلاله أن “قسد و PKK و PYD عصابات إرهابية وأداة من أدوات النظام الإرهابي المجرم”، وأن “محاربة إرهاب هذه الميليشيات لا تكون بدعم وتقوية إرهاب آخر أكبر منه”، بينما قال القيادي في الجيش الوطني السوري، أحمد نور قائد الفيلق الثالث، في تغريدة له إن مليشيا PKK و PYD الإرهابية من إنتاج نظام الأسد و”حربها لا تكون بدعم أو بالتنسيق أو حتى بالتهاون مع مشغلها وصانعها”، مضيفًا أن محاربة نظام الأسد والقضاء عليه “تكفل للأتراك الانتهاء من مشكلة المليشيات الانفصالية”.
في الوقت الذي تجاهل فيه كل من الائتلاف الوطني والحكومة السورية المؤقتة تصريحات أوغلو، ولم يصدروا أي تعليق أو بيان رسمي على معرفاتهم الرسمية، ليعلق رئيس هيئة التفاوض بدر جاموس في تغريدة على حسابه الشخصي على التصريحات مؤكدًا أن “نظام الأسد هو الداعم الرئيسي والمباشر للإرهاب في المنطقة”.
وعلى ضوء تصريحات الوزير التركي، والردود الصادرة عن قوى المعارضة السورية على تلك التصريحات يمكننا الوقف على سلسلة من الملاحظات:
أ. بما يتعلق بالموقف التركي:
- أتت تصريحات الوزير التركي عقب محادثات بين أنقرة وطهران ووعد إيرانية، لتكون بذلك جسًا لنبض نظام الأسد، ونوعا من التماشي مع الوعود الإيرانية حتى النهاية، وكمحاولة لدق أسفين بين نظام الأسد ومليشيا قسد، خاصة بعد التعزيزات الأخيرة التي أرسلها نظام الأسد إلى مدينتي منبج وتل رفعت، والاجتماعات بين الطرفين، وتصريحات قيادات قسد الداعمة لتدخل النظام في مواجهة العملية التركية.
- لا تخفي تركيا وجود تواصلات بينها وبين نظام الأسد على المستوى الاستخباراتي، وسبق وصرحت تركيا عبر مسؤولين من أرفع المستويات مؤكدة ذلك، إلا أنها في الوقت ذاته نفت وجود محاداثات سياسية عبر المتحدث الرسمي باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، الذي قال في حزيران الماضي، إنه لا يوجد أي اتصال سياسي بين الحكومة والنظام السوري حتى الآن، وأن التعاون الاستخباراتي قائم بين الحين والآخر، وذلك بهدف “المصلحة الوطنية”، وفق تعبيره، مؤكدًا أنه ليس له أي بعد آخر، ولا يتقاطع مع الحوار السياسي.
إلا أن تصريحات الوزير التركي الجديدة، أتت لتؤكد على “تقديم كل أشكال الدعم السياسي”، لنظام الأسد و”حقه في إزالة التنظيمات الإرهابية” من “أراضيه”، ما يشي بجاهزية تركيا للاعتراف بنظام الأسد بحال تجاوب معها في محاربة مليشيا قسد. - تشي تصريحات الوزير التركي بخطأ كبير في الحسابات الاستراتيجية لتركيا لعدة اعتبارات أبرزها:
- تظهر التصريحات تجاهل تركيا لمصلحة حلفائها في الثورة السورية والذين واجهوا معها مليشيا قسد في معارك نبع السلام وغصن الزيتون وقاتل بعضهم لجانبها في أذربيجان وليبيا، وأنها تقدم مصالحها الخاصة على حساب المصالح المشتركة التي قد تؤدي لنفس النتائج، وهو ما قد يضر بهذا التحالف على المدى الطويل، بالرغم من محاولة أوغلو تجميل تصريحه بعبارة موجهة لنظام الأسد قال فيها “ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابية”، والتي أدت معنى عكسيًا دل على الاعتراف به كسلطة شرعية لها حق “التصنيف”.
- من المعروف أن مناطق سيطرة مليشيا قسد واقعة تحت النفوذ الأمريكي، ومن غير المنطق تحميل مسؤولية تطهيرها ومواجهة القوات الأمريكية لنظام الأسد، والاتكاء على الوعود الإيرانية والروسية في هذا السياق، حيث سبق وتبنت بعض الدول الخليجية مقاربة مشابهة، قائمة على الاعتماد على نظام الأسد لتحجيم نفوذ المليشيات الإيرانية، والتي أتت بنتائج عكسية وأثبتت أنه لا يمكن الاعتماد على نظام الأسد ـ فاقد القرار والشرعية ـ بأي استراتيجية، والذي تحول لمجموعة مليشيات لا يمكنها التأثير بالمشهد العسكري أو السياسي.
- من المؤكد أن المليشيات الإيرانية متورطة بشكل مباشر أو غير مباشر في الهجمات الأخيرة على القنصلية التركية في العراق، ومن “العجز السياسي” الاعتماد على وعود طهران بدل إدانتها في هذا التوقيت، حيث ظهرت أنقرة خلال تصريحات أوغلو عاجزة عن حماية أمنها القومي وتبحث عن “قشة” للتعلق بها بخصوص مواجهة المليشيات الانفصالية.
ب. بما يتعلق بموقف المعارضة السورية:
- كانت جميع ردود المعارضة السورية على التصريحات التركية غير “غير رسمية”، إذ لم يصدر عن الائتلاف الوطني، أو الحكومة المؤقتة أو وزارة الدفاع وهيئاتها المختلفة أي بيانات أو تصريحات رسمية، ولعل ذلك نتيجة حساسية العلاقة بينها وبين تركيا، لجهة الدعم المالي والعسكري التي تقدمه أنقرة لتلك المؤسسات التي تتخذ من تركيا مركزًا لمقارها الرئيسية وعمقًا لوجودها في الشمال السوري، أو لجهة فقدان قيادات تلك المؤسسات القدرة على تطوير علاقة التبعية المطلقة لتركيا، إلى علاقة تحالف وتعاون استراتيجي، قائم على تحقيق المصالح المشتركة لكلا الطرفين، ومبني على محاربة نظام الأسد ومليشيا قسد على حد سواء، والجدير بالذكر في هذا السياق؛ أنه كما أن تركيا لن تقبل بأي تحالف/ تصريح بالرغبة بالتحالف بين قوى الثورة ومليشيا قسد “الإرهابية”، لمواجهة “إرهاب الدولة” الذي يقوده نظام الأسد؛ فعليها ـ بحال تريد الحفاظ على تحالفها مع قوى المعارضة السورية ـ عدم الاتجاه لتحالف معاكس مع نظام الأسد لمواجهة مليشيا قسد.
- تمثل الرد الأبرز على تصريحات الوزير التركي، بيان المجلس الإسلامي السوري، إلا أن عدم وجود صفة سياسية للمجلس تجعل من بيانه وموقفه موقفًا داخليًا، وأداة ضغط غير مباشرة على المشهد السياسي لا أكثر، سواء على المؤسسات السياسية التابعة للثورة أو على مستوى إيصال صوت السوريين للقيادة التركية، واللافت أن المجلس سبق وأصدر قبل أيام بيانًا يعلق فيه على مجزرة قرية الجديدة غربي إدلب، قال فيه إن على تركيا اتخاذ موقف واضح تجاه الانتهاكات الروسية، وهو ما يشي بعدم رضى “النخبة الدينية” المتمثلة بالمجلس الذي يعد “أعلى مرجعية شرعية” في سوريا، عن السياسة التركية في إدارة الملف السوري.
- كان من أبرز الردود على تصريحات أوغلو بعد بيان المجلس الإسلامي؛ رد قائد الفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري، أبو أحمد نور، ورئيس هيئة المفاوضات، بدر جاموس.
إلا أن تصريحاتهما لم تخرج عن نطاق الرأي الشخصي، حيث صدرت كتغريدات على حساباتهما الشخصية، ولا تعد موقفًا رسميًا، لكنها قد تؤدي الغرض بإرسال “رسائل انزعاج” من تصريحات الوزير التركي، وتدل في الوقت نفسه على الانقسام الحاصل في هيئات الثورة وصفوف الجيش الوطني، الذي بدا عاجزًا عن إصدار أي بيان موحد ورسمي يستنكر فيه التصريحات التركية ـ ولو بأسلوب دبلوماسي ـ بينما قد تحمل تصريحات نور بعض الدلالات لجهة ظهوره المتكرر مع أعضاء المجلس الإسلامي، وتشير إلى أن تحالفًا ـ يعارض علاقة التبعية المطلقة لتركيا ويسعى لجعل العلاقة معها علاقة تحالف ومصالح مشتركة ـ بدأ بالظهور على الساحة السورية، على حساب تيار آخر لا يرى مشكلة في تصريحات الوزير التركي، ولا في حالة التبعية المطلقة أو إرسال مقاتلين إلى أذربيجان وليبيا على سبيل المثال، وهو ما يبدو واضحًا من سلوك تلك الفصائل من جهة، وتجاهلها لتصريحات الوزير التركي من جهة أخرى.
وبالمجمل فإن تصريحات أوغلو أظهرت مدى “التخبط التركي” في مواجهة مليشيا قسد، وعجز أنقرة عن فرض أمر واقع بخصوص عمليتها العسكرية هذه المرة، إضافة لظهورها بمظهر غير المكترث بـ”إرهاب الدولة” الذي يمارسه نظام الأسد، وتقديمها لمصالحها الخاصة على المصالح المشتركة بينها وبين قوى الثورة، التي بدت هي الأخرى عاجزة عن تطوير علاقتها مع أنقرة من صيغة التبعية المطلقة، لصيغة التحالف الاستراتيجي القائم على المصالح المشتركة.