الربيع العربي والحاجة الملحة لتغيير المفاهيم و الاستراتيجيات… سوريا نموذجاً
في عالم يغص بالمشاكل والأزمات
والجوائح من الضروري على ثوار الربيع العربي أن يعلموا أنهم تُركوا لوحدهم في مواجهة أعتى الأنظمة الاستبدادية في عالمنا العربي وأكثرها وحشية ودموية، أنظمة أمضت عقوداً تجيش الجيوش وتكدس الأسلحة وتغسل الأدمغة تحسباً لمثل هذه الأيام ولثقتهم أنه سيأتي يوم تنفجر فيه شعوبهم في وجوههم وتثور عليهم بعد عقود من التجهيل والتخلف والتموضع في ذيل القافلة الإنسانية والبشرية .
وبالتالي يحتاج ثوار الحرية لتطوير آليات جديدة في قواعد المواجهة مع التوحش والقمع، ويحتاجون لإعادة حسابات والتفكير في وسائل تضمن لهم استمرار ثورات الربيع العربي وبلورة استراتيجيات تساعدهم على الصمود والاستمرار لأطول وقت ممكن، فالأنظمة المستبدة عموماً تحمل بذور تهافتها من الداخل ولاتمتلك القدرة على المواجهة الطويلة مع شعوبها ، وهو مايضعها أمام خيارين لاثالث لها وكليهما سيؤديان في النهاية لتفككها وسقوطها:
1- الاستعانة بدول وجيوش أجنبية وهو ما سيمد في عمرها لكن تكلفته السياسية والاقتصادية وعلى مستوى التحكم في موارد البلاد ومصادرة القرار ستكون باهظة وفوق قدرتها على الاحتمال
2- الاستمرار بالشعارات الفارغة والانفصام عن الواقع وترويج أحاديث الانتصار على المؤامرة، وهو ماسيخدع بعض السذج لكن سرعان ما سيقفز لذهنية مؤيدي هذه الأنظمة : ماذا بعد النصر ؟ أليس من المفروض أننا انتصرنا وبالتالي يجب أن نلمس تحسن الأوضاع المعيشية ؟ وهو قطعاً ما لن يحصل، فتلك الأنظمة خارجة من معركة كسر عظم مع شعوبها استنزفت كل مواردها، بالإضافة لجبال من الديون الخارجية والفواتير التي ستطالب الدول الداعمة المستبد بسدادها .
أوهام التعويل على النواحي الأخلاقية للدول الغربية وحتمية دعمهم للحرية والديمقراطية عبر تشديد الخناق على المستبدين والحيلولة دون بطشهم وتنكيلهم في شعوبهم سقطت مع أول رصاصة لجيوش عربية مدججة في صدور متظاهرين سلميين عزل .
الغرب اليوم عموماً وسيما دوله القوية في حالة نفير كامل واستعداد لمفاصلة قاسية وصعبة قادمة مع الدب الروسي عسكرياً، والتنين الصيني اقتصادياً، وبالتالي مايحصل في العالم العربي سيكون آخر اهتماماتهم حتى لو رغب بعضهم فعلاً باستمرار دعم الربيع العربي
يضاف لذلك كله أزمة اقتصادية عالمية وأزمة طاقة وأزمة غذاء وجوائح صحية تتهدد اليوم حتى الدول الغنية والقوية وتضعها في مواجهة تحديات كبيرة أمام شعوبهم نفسها، وهو ماسيجعل جزءاً كبيراً من اهتماماتهم ينصب نحو الوضع الداخلي لبلدانهم .
استمرار استجداء الحلول السياسية من عالم لايبدو مكترثاً بحجم الدماء المسفوكة والأشلاء المبعثرة في بلداننا، وأنظمة متوحشة لديها قابلية أخلاقية ونفسية لذبح شعوبها بالكامل لتظل على كرسي الدم، هو مسار لن يفضي سوى لمزيد من تمييع الثوابت وتنازلات لانهاية لها، ومزيد من الخسارات الأخلاقية على مستوى الحاضن السوري والرأي العام الشعبي .
في سوريا كنموذج مثلاً : من ضمن الأدوات الاستراتيجية طويلة المدى للمواجهة، استثمار حالة السلم والمهادنة النسبية لتطوير المناطق المحررة والنهوض بها وتأمين حياة كريمة لأهلها وتقديم نموذج إداري وأمني مشجع فيها، والارتقاء بمستوى الحوكمة و الخدمات والتعليم، وتكريس فكر الثورة وثوابتها في وجدان نشئها، وتجاوز مرحلة الشقاق بين ثوارها، استعداداً لاستئناف معركة قد تندلع في أي لحظة، فمجرد الاستمرار اليوم وعجز نظام الإجرام رغم كل وحشيته ودمويته ومساندة القوى الأجنببة له عن حسم المعركة طيلة عشر سنوات هو إنجاز لا يجب الاستهانة بأهميته، أو اليأس من جدواه ، إنما ينبغي البناء عليه وانتظار ثماره بعد أن تم بذار الربيع العربي بأشلاء الأحرار وسقيه بدماء الثوار، شريطة تعاهده بالعناية والرعاية والتصويب وعدم تركه لبعض العوامل الطبيعية الطارئة (الأخطاء الداخلية والفساد) التي قد تقتل بذوره أو تميت أرضه وتضيع جهود من غرسوا لنأكل، وضحوا لنستمر .