على خلفية زيارة ستوينيسكو لسوريا… هل يغير الاتحاد الأوربي موقفه من نظام الأسد؟
يجري القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، دان ستوينيسكو، زيارة إلى عدة مدن سورية، للمرة الأولى منذ بداية الثورة السورية عام 2011، وذلك بحسب ما نشر الحساب الرسمي للاتحاد الأوروبي في سوريا على “تويتر”، والذي نشر خلال اليومين الماضيين أيضًا عدة صور لجولات ستوينيسكو في مدينة حلب وعدة مناطق أخرى في سوريا.
وعلى الرغم من محورية الزيارة، وأهميتها، فلا يمكنها أن تعبر عن تغير استراتيجي في الموقف الأوربي حتى الآن لثلاثة أمور رئيسة:
- أولًا ـ أتت الزيارة لمتابعة مشاريع “الدعم المبكر” بحسب الحساب الرسمي للاتحاد الأوربي في سوريا، وتختلف مشاريع “الدعم المبكر” كليًا عن مشاريع “إعادة الإعمار” بحسب متخصصين، وقد حدد مركز “السياسات وبحوث العمليات” في أحد أوراقه ثلاثة فروق رئيسية بين التعافي المبكر وإعادة الإعمار تتمثل بـالتالي:
- يقع وضع خطط إعادة الإعمار وتنفيذها على عاتق الدولة، بينما يتم تخطيط وتنفيذ “التعافي المبكر” من قبل منظمات الإغاثة، سواء كانت مركزية تأتمر بأمر هيئة إدارية واحدة كالأمم المتحدة مثلًا أو من قبل منظمات فردية.
- “التعافي المبكر” شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، أما إعادة الإعمار فليست كذلك، إذ يمكن أن تأتي إعادة الإعمار على شكل قروض ميسرة من منظمات منفردة أو متعددة الأطراف كصندوق النقد أو البنك الدولي، أما “التعافي المبكر” فما هو إلا نوع من أنواع المساعدة الإنسانية التي لا تستلزم السداد لاحقًا.
- تترتب أولويات “التعافي المبكر” تبعًا للاحتياجات الإنسانية، حاله في ذلك حال أشكال المساعدات الإنسانية الأخرى، أما إعادة الإعمار فليست كذلك بالضرورة.
وبالتالي فمن الواضح أن مشاريع “الدعم المبكر” هي مشاريع إغاثية في مجملها مختلفة كليًا عن مشاريع إعادة الإعمار، مع الإشارة هنا أيضًا إلى أن ألمانيا على سبيل المثال خصصت العام الماضي، ضمن خطة الاستجابة الإنسانية في سوريا مبلغ أربعة ملايين و928 ألف دولار تقريبًا، منها 0.1% لـمشاريع “التعافي المبكر” فقط، وهو ما يؤكد أن الدعم الحالي لمشاريع “التعافي المبكر” لا يتعدى كونه دعمًا شكليًا ونوع من مجاراة روسيا في مطالبها المتعلقة بالملف الإنساني ـ والتي سنستعرضها في البند التالي ـ مع الإشارة في هذا السياق إلى أن ستوينيسكو نفسه سبق وصرح في أيار/ مايو أن موقف الاتحاد الأوربي ثابت بما يتعلق بدعم إعادة الإعمار وأنه لن يقدم أي دعم في هذا السياق قبل تحقيق انتقال سياسي حقيقي.
- ثانيًا ـ أتت الزيارة على خلفية تنامي الضغوط الروسية بشأن ملف “التعافي المبكر”، حيث ركزت روسيا في المباحثات الأخيرة في مجلس الأمن المتعلق بتمديد قرار إدخال المساعدات عبر الحدود إلى سوريا من معبر باب الهوى؛ على مسألة “التعافي المبكر” كثمن لموافقتها على قرار التمديد، وصرحت عدة تصريحات في هذا السياق للضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، حيث صرح المندوب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، في 2 من حزيران/ يونيو الماضي، أن “الغرب لم يفِ بالتزاماته المكتوبة في القرار (2585)، بشأن إنشاء آلية تزويد سوريا بالأموال لبرامج (التعافي المبكر)، التي تم تخصيص 3% فقط منها”، في سياق تبرير رفض روسيا تمديد قرار إدخال المساعدات عبر الحدود.
لتأتي الزيارة المعنية بمتابعة مشاريع “الدعم المبكر” كاستجابة للضغوط الروسية، وثمن يقدمه الاتحاد الأوربي لقاء موافقة موسكو على تمديد قرار إدخال المساعدات عبر الحدود.
- ثالثًا ـ تأتي الزيارة مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا ورغبة الاتحاد الأوربي بممارسة الضغط على روسيا في مختلف الملفات، ويبدو من غير المنطقي في هذا التوقيت أن تغير بروكسل سياستها تجاه الملف السوري، وأن تتبنى مقاربة جديدة من شأنها أن تساعد موسكو في الخروج من أزماتها المتشابكة، إلا أنه من الواضع أن الاتحاد الأوربي تعرض لضغوط كبيرة متعلقة بتمديد قرار إدخال المساعدات عبر الحدود وهو ما دفعه لتقديم بعض التنازلات في الملف الإنساني ضمن بوابة “التعافي المبكر” الشكلية، بعيدًا عن أموال “إعادة الإعمار”.