السقوط الإيراني في سوريا بين تناقضات السردية الدينية و الأحلام التوسعية
هذه المذكرات يمكن اعتبارها الاعتراف الرسمي الأبرز حول حقيقة وتوقيت وملابسات التدخل العسكري الإيراني في سوريا لدعم نظام بشار الأسد
وقد ورد في بعض تلك المذكرات عن همداني :
“في مارس 2013 أحكم الإرهابيون الطوق على بشار الأسد وصاروا قريبين من القصر الجمهوري في دمشق ، كانت الأوضاع خطيرة جداً وتقريباً يمكن القول أن القضية السورية كانت تشرف على نهايتها، في تلك الليلة تم إسداء آخر نصيحة للأسد، إذ قلت له : بما أن كل شيء قد انتهى والقصر الجمهوري على وشك السقوط لابد لك من قبول اقتراحنا”
طبعاً الاقتراح كان : فتح مخازن السلاح لتسليح المدنيين السوريين الموالين لنظام الأسد وتشكيل مجموعات منهم ليست ضمن المنظومة العسكرية للنظام لكنها تعمل بتوجيهاته، بمعني قطعان من (الباسيج) السوري على غرار الباسيج الإيراني، فإيران ومن خلال هذا المقترح كانت تخطط للبعيد، حيث تحولت تلك التجمعات لاحقاً للهيمنة عليها من قبل إيران عبر نشر أفكار التشيع ضمنها ، ومن هنا ابتدأت جملة التناقضات الهائلة لقادة ومعممي إيران في محاولات تبرير هذا التدخل لصالح الأسد
التناقض الأول : لعل أكبر أزمة واجهت نظام الملالي بعد قراره التدخل في سوريا كانت ولازالت مشروعية دعم بشار الأسد أو بمعنى أصح جواز دعمه كون ذلك يناقض كل أدبيات وقواعد المذهب الشيعي الذي قام بالأساس على سردية مظلومية الحسين رضي الله عنه ومجابهة الظلم والطغيان المتمثلين في شخص يزيد
ومع ذلك حين اصطدمت تلك السرديات الدينية والمذهبية مع مصالح معممي قم والولي الفقيه و مصالحهم السياسية و أحلامهم التوسعية سقطوا سقوطاً ذريعاً ومدوياً فقدموا المصالح السياسية والتوسعية ليجدوا أنفسهم بدعمهم للطاغية بشار الأسد يدّعون نصرة الحسين لكنهم فعلياً يقاتلون في جيش يزيد.
التناقض الآخر : الثورة السورية هي جزء من الربيع العربي الذي احتفى به سابقاً المرشد الأعلى “علي خامنئي” حين انطلق من تونس وصولاً لمصر فقد سماه حينها حرفياً (صحوة إسلامية) فلما وصل سوريا تحول هذا الربيع العربي لمؤامرة كونية ومخططات أمريكية و صهيونية، ورغم أن الفاصل الزمني بينهم كان أقل من شهرين فقط !!!
التناقض الثالث : أن إيران لم تتدخل في سوريا لدعم طاغية ضد شعبه بل لإنقاذ الشعب السوري من مؤامرات دولية ومجموعات تكفيرية
لكن الحقيقة أن تدخل حزب الله اللبناني لجانب النظام السوري وفشله في إنقاذه ثم التدخل الإيراني وفشله أيضاً في إنقاذه مما استدعى تدخل قوة عظمى كروسيا لاحقاً هو الدليل الأبرز أن نظام بشار الأسد مجرد نظام أقلوي طائفي أمني معزول يخوض حرباً ضد الغالبية الساحقة من شعبه الرافضة لحكمه والثائرة عليه.
السقوط الإيراني في سوريا لم يكن فقط سقوطاً أخلاقياً أو سقوطاً لسرديات تاريخية ودينية اعتمدها نظام الملالي في شرعنة وصوله للحكم وحروب الألف عام التي شنها على السُنة العرب (النواصب) بدعوى قتلهم للحسين، بل صحبه أيضاً سقوط عسكري في سوريا تمثل في الفشل الذريع طيلة أربع سنوات من التدخل العسكري والميليشياوي الإيراني في سوريا والفشل في إنقاذ يزيدها الذي كانت كل الدلائل والمؤشرات تؤكد أن سقوطه مطلع عام 2016 بات حتمياً ولولا التدخل الروسي باعتراف لافروف نفسه لانتهى نظام الأسد بالكامل خلال أسابيع .
بقلم الباحث والناشط السياسي
ساجد تركماني