ماذا سيتغير بعد الحرب الروسية على أوكرانيا
اندلعت الأعمال العدائية بين أوكرانيا وروسيا، ويتضح من الأحداث المتتالية أن الحسابات الجيوسياسية في العالم ستتغير تماماً في حال انتصار روسيا وفرضها الاستقرار في البلاد على نطاقٍ واسع، ولن تعود الأمور إلى سابق عهدها وستكون المخاطر ليست أوروبية فحسب بل عالمية.
تهدف روسيا إلى فصل أوكرانيا عن الغرب، وهو هدف يمكن تحقيقه إما بتغيير النظام، أو فدرلة البلاد، أو تقسيمها، أو حتى الاستسلام المشروط. لكن ما تداعيات تحقيق هذا؟
1. ستضطر أوروبا لإعادة التفكير في ترتيباتها الأمنية:
ستُصاغ مذاهبٌ جديدة لتقييد الأمن الجماعي حتى يصبح مقتصراً على الأعضاء الأساسيين في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وأي دولةٍ خارج تلك التحالفات ستكون بمفردها
2. سيصبح لدى فنلندا والسويد أسبابٌ حقيقية تدفعهما إلى الانضمام لحلف الناتو،
ولكن بعيداً عن هذين البلدين، سنجد أن الناتو سيفضل على الأرجح تعليق برامجه التوسعية في وجه الأعضاء الجدد.
3. ستتطلع أوروبا لتعزيز دفاعات أعضائها ولكنها لن تهتم بالدول الأخرى خارج العضوية.
4. ستنظر دول الجوار إلى النفوذ الروسي على أوكرانيا وبيلاروسيا باعتباره خطراً أمنياً
سيظهر خطٌ غير آمن يمكن وصفه بالستارة الحديدية الجديدة ليمتد من إستونيا، إلى بولندا، إلى رومانيا، وحتى تركيا
الهجوم الروسي وتقوية الناتو
لا شك أن أوروبا سترفض الحكومة الجديدة المدعومة من روسيا في كييف كما حدث سابقا في بيلاروسيا، لكن الهجوم الروسي على أوكرانيا أهدى الناتو أسبابه الجديدة للوجود، إذ ستكون تقوية الحلف هي السبيل لتقديم التطمينات الأمنية لأوروبا وردع روسيا عن التعدي على دولها، وبهذا سيعود حلف الناتو إلى جذوره بعيداً عن بناء الديمقراطية والدول، ليصبح بذلك تحالفاً عسكرياً مباشر، وقد تلعب الولايات المتحدة دوراً كبيرا في هذا التحول وتعاود الاتجاه إلى أوروبا من جديد.
حرب الاستنزاف الاقتصادية الدائمة
بدلا من التبادلات الحركية في ساحات المعارك المندلعة بين روسيا و أوكرانيا، ستكون هناك حرب اقتصادية على موسكو، يستطيع الكرملين النجاة من التداعيات الاقتصادية الفورية حيث يمتلك البنك المركزي الروسي احتياطيات تقدر بنحو 634 مليار دولار وهي احتياطياتٌ تكفي لتحمل العقوبات التي ستفرض على روسيا، لكن في حال استهدفت العقوبات احتياطات روسيا بعملة اليورو (40 %) والجنيه الإسترليني (5 %)، فسيكون لهذا تأثير على ما يقارب نصف الاحتياطيات الروسية، ما سيؤدي بطبيعة الحال لإضعاف قدرة روسيا على تجنب الانهيار الاقتصادي.
الصين.. البديل الاقتصادي
يبلغ حجم تجارة روسيا مع الاتحاد الأوروبي نحو 220 مليار دولار في 2021، في حين بلغ حجم تجارتها الثنائية مع الصين 146 مليار دولار بعدما نمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وإذا استمر نمو التجارة الثنائية بهذه الوتيرة فسوف تحل الصين محل الغرب كبديلٍ اقتصادي، لكن مسألة امتلاك الاحتياطيات الروسية لتمويلٍ يكفي لسد الفجوة هو أمرٌ يعتمد على شدة العقوبات المفروضة.
واردات الطاقة
إن اختيار أوروبا قرار تقليل واردات الطاقة من روسيا سيكون له تأثيرٌ بالغ على روسيا، لا سيما وأن عائدات الطاقة نحو 40% من عائدات الميزانية الروسية، وربما تكون زيادة صادرات الغاز الطبيعي إلى الصين خياراً لكن الأمر سيتطلب بناء وتوسعة البنية التحتية الممتدة من المنابع في سيبيريا وحتى قلب الأراضي الصينية وهو ما سيكلف مليارات الدولارات.
“أم العقوبات”.. سويفت للمدفوعات
يمكن للأميركيين والأوروبيين أن يلجأوا لفصل روسيا عن نظام سويفت للمدفوعات، وقد جرى فصل بعض البنوك بالفعل، ونظام سويفت هو نظام مدفوعات دولي تستخدمه البنوك والمؤسسات المالية لإرسال واستقبال تحويلات الأموال وهو نظامٌ سريع، ودقيق، وآمن. وشبكة سويفت منظمةٌ بالكامل بفضل قوة الدولار.
لكن استخدام السويفت لأغراضٍ سياسية قد يُقوّض موثوقيتها ويشجع دولاً أخرى على إنشاء بدائل، ولهذا تمتلك الصين نظام مدفوعاتها الدولي الخاص الآن، ويمكن لروسيا أن تدمج عملياتها مع ذلك النظام، لكنه لن يكون بنفس المستوى.
لكن استدامة الصراع في أوكرانيا ستزيد المخاطر.
ستبدأ روسيا بشكلٍ مباشر وغير مباشر في تشجيع المرشحين والحركات السياسية الموالية لروسيا من أجل التلاعب بالمصالح الذاتية للدول حتى تُرغمها على الانسحاب من حرب الاستنزاف الاقتصادية
قد تُسفر الحرب المطولة في أوكرانيا عن زحف ملايين اللاجئين في مختلف الاتجاهات
إنّ تحدّي روسيا للغرب قد يشجع الصين على تحقيق مساعيها بإخضاع تايوان
في الوقت ذاته داخل شبه الجزيرة الكورية ستزداد قوة موقف بيونغ يانغ في المفاوضات
الحرب المطولة في أوكرانيا ستؤثر على الأعمال العدائية في جميع الأراضي المتنازع عليها
تنهار المحادثات النووية التي صمدت طويلاً حيث لعب المسؤولون الروس دوراً بنّاءً صادماً خلال المفاوضات مع إيران وشجعوا نظراءهم الإيرانيين مراراً على المشاركة في المحادثات
يمكن لروسيا أن تضغط في الاتجاه المعاكس إذا تغيّر موقفها لتأخذ موقفاً تخريبياً في المفاوضات وربما انهيارها بالكامل وسيكون تأثير النتيجة النهائية لذلك بعيد المدى خاصةً بالنسبة لإسرائيل
التأثير على الأسعار العالمية للسلع
يرى المحللون الهولنديون من بنك Rabobank أنّ:
أسعار النفط الخام قد تقفز من المستوى الحالي عند 90 دولار/برميل، إلى ما يتراوح بين 125 و127 دولار/برميل وذلك بناءً على شدة العقوبات.
تُعتبر روسيا من أكبر منتجي النحاس، والألومنيوم، والنيكل، والبلاتين، والبلاديوم، وغيرها وتُستخدم بعض هذه المواد الخام في صنع الرقاقات
قفزة كبيرة في أسعار الغاز الطبيعي وهي من نقاط الضعف التي تواجه أوروبا حيث تستورد نحو 35% من غازها الطبيعي من روسيا ولهذا فقد تنهار الأمور سريعاً وقد يُصيب تأثير الدومينو الأسواق المالية
الحرب المطولة في سلة غذاء أوروبا قد تُهدد الأمن الغذائي لمختلف الدول حول العالم: إذ تُمثّل صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا معاً نحو 29%من إجمالي الإمدادات العالمية