التصعيد بين الجزائر ومالي: عملية “دوغوكولوكو” وتداعياتها الإقليمية

بامكو – مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي
مقدمة:
تتسارع التطورات الأمنية في منطقة الساحل الإفريقي مع تفجر أزمة جديدة بين الجزائر ومالي. في 18 نيسان/أبريل 2025، عقد مجلس الدفاع الوطني المالي اجتماعًا طارئًا برئاسة الجنرال أسيمي غويتا، أفضى إلى إطلاق عملية عسكرية كبرى تحت مسمى “دوغوكولوكو”، في إطار محاولة فرض السيطرة الكاملة على الأراضي المالية المهددة بالانفصال والنزاعات العرقية، بما في ذلك المناطق القريبة من الحدود الجزائرية.
خلفية:
-
تعود جذور التوتر إلى المطالب الانفصالية للحركات الأزوادية (الطوارق) في شمال مالي، التي تصاعدت عقب الانقلاب العسكري عام 2020.
-
الجزائر لعبت دور الوسيط التقليدي في أزمات الشمال المالي، وأشرفت على اتفاق الجزائر للسلام عام 2015 بين الحكومة المالية والحركات المسلحة.
-
الانقلاب العسكري الثاني عام 2021 بقيادة غويتا عمّق الفجوة مع الجزائر، خاصة مع التقارب المالي الكبير مع روسيا، عبر قوات “فاغنر”، وابتعاد باماكو عن فرنسا وحلفائها الإقليميين.
تفاصيل التصعيد:
-
أطلقت الحكومة المالية عملية “دوغوكولوكو” لاستعادة السيطرة على كامل البلاد، وسط اتهامات للحركات الأزوادية بتلقي دعم سياسي وعسكري غير مباشر من الجزائر.
-
شهدت منطقتا إنفارق وتالهنداك، المحاذيتان للحدود الجزائرية، ضربات جوية بطائرات مسيرة استهدفت مواقع تابعة للحركات الأزوادية، مما أثار قلق الجزائر الأمني.
-
الجزائر تنظر إلى هذه العمليات باعتبارها تهديدًا مباشرًا لأمن حدودها الجنوبية واستقرار المناطق الصحراوية الجزائرية الحساسة.
التحليل:
-
طبيعة العملية العسكرية: تعكس محاولة باماكو فرض منطق القوة على الحركات الانفصالية بدل الالتزام باتفاقات السلام، مما ينذر بتصعيد داخلي أوسع وربما دخول الجزائر كلاعب مباشر.
-
الدور الروسي المتنامي: الدعم الروسي العسكري واللوجستي للجيش المالي، من خلال مرتزقة فاغنر، يعزز قدرة باماكو على التصعيد، ولكنه بالمقابل يزيد من خشية الجزائر من النفوذ الروسي قرب حدودها.
-
موقف الجزائر: الجزائر ترى نفسها وصية على استقرار الساحل، ولن تقبل بوجود تهديدات مسلحة أو قوى أجنبية ناشطة قرب حدودها، مما قد يدفعها لاتخاذ خطوات سياسية أو حتى عسكرية محدودة لحماية أمنها القومي.
-
العامل الإقليمي والدولي: يتزامن هذا التصعيد مع انشغال فرنسا بالوضع في النيجر وتشظي التحالفات الإقليمية، ما يتيح مساحة أكبر لروسيا للتحرك عبر مالي، ويجعل الجزائر في موقع حرج بين ضبط النفس وحماية مصالحها الاستراتيجية.
السيناريوهات المحتملة:
-
استمرار التصعيد المحدود: مع إبقاء العمليات داخل الحدود المالية، واحتواء الجزائر للأزمة دبلوماسيًا.
-
انفجار المواجهة الحدودية: إذا توسعت العمليات العسكرية إلى عمق المناطق الحدودية، فقد تلجأ الجزائر إلى تدخل مباشر أو دعم غير معلن للحركات الأزوادية.
-
وساطة إقليمية جديدة: بدفع من قوى دولية (كفرنسا أو الاتحاد الإفريقي)، لاحتواء التصعيد وإعادة إحياء اتفاق الجزائر للسلام.
-
تصعيد روسي جزائري غير مباشر: تحريك الجزائر لأوراق سياسية واقتصادية ضد التمدد الروسي في الساحل عبر مالي.
الخلاصة والتوصيات:
يمثل التصعيد الحالي بين الجزائر ومالي محطة خطرة في مسار أزمات الساحل، مع تزايد التداخلات الدولية وتبدل التحالفات التقليدية. على الجزائر أن تتعامل مع الوضع بدقة، بما يحفظ حدودها وأمنها دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة تستنزف قواها.
توصي مركز مسارات بضرورة:
-
متابعة تطورات العملية العسكرية بشكل دقيق وميداني.
-
رصد التحركات الروسية في الساحل وتأثيرها على توازنات الجزائر الإقليمية.
-
دعم أي مبادرات وساطة إقليمية لاحتواء الأزمة.
-
تعزيز التعاون الأمني مع دول الجوار، خاصة النيجر وموريتانيا، لضمان أمن الحدود.