الدراسات والبحوثتحليلات

تصاعد التوترات حول ملف خور عبد الله بين الضغوط الشعبية وشبهات الفساد

بغداد – مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي

الملخص التنفيذي:
يشهد العراق في الأسابيع الأخيرة تصاعدًا حادًا في التوترات السياسية والشعبية على خلفية ملف “خور عبد الله” الحدودي مع الكويت. وقد ارتبطت هذه التوترات بشبهات فساد، وتحركات قضائية مثيرة للجدل، ومعلومات استخباراتية حول ضلوع شخصيات رسمية في صفقات غير معلنة. وتشير المعطيات التي حصل عليها مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي من مصادر خاصة، إلى وجود تشابك معقّد بين المصالح السياسية والولاءات الخارجية في هذا الملف الحساس.


أولاً: السياق القانوني والسياسي للاتفاقية

في عام 2012، وقّع العراق والكويت اتفاقًا ينظم الملاحة في “خور عبد الله”، وتمت المصادقة عليه عام 2013، استنادًا إلى قرار مجلس الأمن 833 لعام 1993. إلا أن المحكمة الاتحادية العراقية أصدرت لاحقًا قرارًا بعدم دستورية التصديق على الاتفاق، وهو ما أعاد الجدل للواجهة.
في نيسان/أبريل 2025، تقدّم كل من رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني بطعن قضائي لإلغاء قرار المحكمة، ما فُسّر شعبيًا بأنه تراجع عن موقف سيادي، وأدى إلى اندلاع احتجاجات في محافظة البصرة.


ثانيًا: معلومات استخباراتية حول شبكة النفوذ في ملف الخور
تشير معلومات أمنية خاصة حصل عليها مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي إلى وجود شبكة من الشخصيات العراقية ذات ارتباطات خارجية، يُشتبه في تورطها بتسهيل تنازلات بحرية لصالح الجانب الكويتي، مقابل امتيازات مالية وشخصية. أبرز الأسماء المتداولة:

  • محمد حسين بحر العلوم: وكيل وزير الخارجية الحالي، وسفير سابق في الكويت، يحمل الجنسيتين الكويتية والبريطانية، ويُعتقد أنه لعب دورًا تنسيقيًا في مفاوضات غير رسمية مع الجانب الكويتي.

  • صفاء الدين الصافي: وزير العدل الأسبق، يُقيم في الكويت ويحمل جنسيتها، وتُفيد المعطيات بأنه استضاف اجتماعات بين مسؤولين عراقيين وشخصيات كويتية فاعلة.

  • شخصيات سياسية بارزة: معلومات أولية تُشير إلى تلقي أطراف سياسية ذات نفوذ (منها نوري المالكي، هادي العامري، هوشيار زيباري، وعمار الحكيم) حصصًا مالية متفاوتة ضمن ما وُصف بصفقة تمرير الاتفاق.

  • زيارة غير معلنة: سُجّل قيام بحر العلوم بمرافقة السوداني في زيارة إلى الكويت على متن طائرة رئاسية، وعادت البعثة بحقائب مالية، بحسب ما أفادت به مصادر مطلعة.


ثالثًا: الأبعاد الإقليمية والدولية

ترتبط أهمية “خور عبد الله” وميناء الفاو ارتباطًا مباشرًا بمشروع “طريق التنمية” الذي تسعى الحكومة العراقية إلى تنفيذه بمشاركة تركية وقطرية وإماراتية. وقد أبدت الكويت رغبة في الانضمام للمشروع، وهو ما دفع البعض إلى الربط بين تقديم تنازلات في الملف الحدودي وبين تسهيلات لوجستية متبادلة.

من جهتها، تحاول الكويت تأطير المسألة ضمن إطار “الأمن الخليجي المشترك”، في محاولة لحشد دعم إقليمي لموقفها، ما يزيد من حساسية الملف سياسيًا ودبلوماسيًا.


رابعًا: التوترات الشعبية والضغوط الداخلية

ترافقت التطورات الأخيرة مع تزايد مظاهر الاحتجاج الشعبي في محافظات جنوب العراق، لا سيما البصرة. نظّمت وقفات أمام القنصلية الكويتية، رُفعت خلالها شعارات تدين الاتفاقية وتتهم الحكومة بالتفريط في السيادة البحرية.

إعلام محلي وإقليمي – بدعم من موظفين حكوميين – ساهم في تأجيج الأزمة، حيث سُربت معلومات متضاربة حول رشى وضغوط سياسية يُقال إنها مورست على المحكمة الاتحادية لإلغاء قرارها السابق.


خامسًا: التحليل

تُشير القراءة التحليلية لمركز مسارات إلى أن أزمة خور عبد الله تُعد نموذجًا على تعقيدات القرار السيادي العراقي في ظل التداخل بين الضغوط الشعبية، والانقسامات المؤسسية، والمصالح الإقليمية.

  • الطعن في قرار المحكمة يُشكل سابقة قد تؤدي إلى إضعاف هيبة القضاء العراقي.

  • الجمع بين ازدواج الجنسية والانتماءات العائلية لبعض الشخصيات يُضعف الموقف الرسمي العراقي في المحافل الدولية.

  • الربط بين ملف الحدود ومشاريع الربط الاقتصادي الإقليمي (طريق التنمية) يُعقّد فرص التسوية، ويُدخل الملف في إطار التجاذب الجيوسياسي الأوسع.


سادسًا: خلاصة

إن ملف خور عبد الله لم يعد مجرد قضية قانونية أو حدودية بين العراق والكويت، بل تحوّل إلى نقطة تقاطع حساسة بين المصالح الإقليمية، والتحولات الداخلية في بنية القرار السيادي العراقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى