“عملية ‘أسهم الشمال’: إعادة رسم قواعد الاشتباك بين إسرائيل وحزب الله في جنوب لبنان”
في ظل التطورات الجيوسياسية الراهنة، تتصاعد التوترات في جنوب لبنان إثر عملية “أسهم الشمال” التي أطلقتها إسرائيل بهدف تعزيز وجودها العسكري في المنطقة. تعتمد العملية، التي تقودها وحدات الفرقة 91 دفاع إقليمية الإسرائيلية، على التقدم والسيطرة على أراضٍ في الجنوب اللبناني، بدعم من الفرق التكتيكية المدرعة والإبرار الجوي. هذا التقدم يشير إلى رغبة إسرائيل في إنشاء مناطق مغلقة جديدة على الحدود، تمهيدًا لإعادة تشكيل خطوط المواجهة المستقبلية.
الأهداف الجيوسياسية للعملية
تسعى إسرائيل من خلال هذه العملية إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية:
- تعزيز المناطق العازلة: تتمثل الخطوة الرئيسية في إنشاء “مناطق مغلقة” على طول الحدود مع لبنان. هذه المناطق العازلة تعزز من قدرة إسرائيل على رصد ومراقبة التحركات العسكرية لحزب الله وتقليل التهديدات الحدودية.
- إضعاف البنية التحتية العسكرية لحزب الله: تعمل القوات الإسرائيلية، من خلال عمليات التطهير والإخلاء، على تقليص قدرات حزب الله العسكرية، وخاصة في المناطق الريفية والتلال الجنوبية، وهي مناطق استراتيجية للحزب تستخدم لعمليات الهجوم والدفاع.
- توجيه رسالة ردع: من خلال التوغل العسكري السريع، تسعى إسرائيل إلى توجيه رسالة ردع لحزب الله، مفادها أنها قادرة على تنفيذ عمليات نوعية داخل الأراضي اللبنانية مع الحفاظ على التفوق الجوي واللوجستي.
تحليل سلوك حزب الله
يظهر من خلال تطورات العملية أن حزب الله، رغم قدرته على الاستمرار في الاشتباك مع القوات الإسرائيلية، يعتمد على تكتيكات غير تقليدية لتجنب المواجهة المباشرة. هذا يشير إلى عدة دلالات مهمة:
- تأثير الهجمات الجوية الإسرائيلية: تشير التقارير إلى أن الهجمات الجوية الإسرائيلية الأخيرة قد أعاقت منظومة القيادة والسيطرة لحزب الله، مما دفعه إلى الاعتماد على وحداته الصغيرة لتنفيذ العمليات دون تنسيق مركزي فعال. هذا الوضع يحد من قدرة الحزب على تنفيذ عمليات معقدة، ويُجبره على إبطاء وتيرة الهجمات.
- الاشتباك التكتيكي المتفرق: تعتمد عناصر حزب الله على الاشتباكات المتفرقة وبالأسلحة المتاحة، في محاولة لإحداث أكبر خسائر ممكنة في صفوف القوات الإسرائيلية. هذا الأسلوب يعكس محاولات الحزب لشراء الوقت، في انتظار إعادة بناء قدرته على القيادة والسيطرة.
- تهدئة متعمدة: قد يكون الحزب يعتمد على استراتيجية تهدئة العمليات جزئياً، ريثما يعيد ترتيب صفوفه ويستعيد القدرة على التنسيق بين قواته، وهو ما يتطلب وقتًا في ظل الضغوط الجوية والبرية الإسرائيلية.
الإشارات الجيوسياسية من الوجود الإعلامي الإسرائيلي
رصد وجود الصحفيين الإسرائيليين ومركبات غير مدرعة في مناطق العمليات يعكس ثقة إسرائيل في قدرتها على السيطرة الميدانية وتأمين المناطق التي سيطرت عليها جزئيًا. في حال تأكد هذا الأمر، فإنه يرسل رسالة مزدوجة؛ الأولى هي لإسرائيل نفسها وللرأي العام الدولي حول قدرة الجيش الإسرائيلي على تحقيق “الانتصار”، والثانية لحزب الله بأن المناطق التي كان يعتمد عليها كقواعد خلفية باتت في قبضة إسرائيل.
الخلاصة
تأتي عملية “أسهم الشمال” كجزء من مساعي إسرائيل لإعادة رسم قواعد الاشتباك على الحدود مع لبنان، وإضعاف قدرات حزب الله في هذه المناطق الاستراتيجية. في المقابل، يحاول حزب الله التكيف مع هذه التغيرات من خلال اعتماد تكتيكات غير تقليدية وتهدئة العمليات جزئيًا. ويبقى السؤال الأهم هو مدى قدرة الحزب على استعادة زمام المبادرة في ظل الضغط الإسرائيلي المكثف.