الدراسات والبحوثتقارير

هبوط اضطراري لطائرة “سوخوي” في نهر غاو: حادث تقني أم إسقاط ميداني؟

باماكو – مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي

في حادثة أثارت جدلاً واسعاً حول سير العمليات العسكرية في شمال مالي، أعلنت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة المالية صباح اليوم 15 يونيو عن هبوط اضطراري لطائرة مقاتلة من طراز سوخوي روسية الصنع في نهر غاو، وذلك أثناء عودتها من مهمة قتالية ضمن عملية “دوغوكولوكو” العسكرية شرق البلاد. وبينما عزا الجيش الحادث إلى عوامل مناخية مفاجئة، ادّعت جهات أزوادية أنها تمكنت من إسقاط الطائرة، ما يفتح الباب أمام احتمالات متضاربة بشأن حقيقة ما جرى.


1. الرواية الرسمية: عاصفة رملية تعيق الهبوط

وفقاً لبيان صادر عن هيئة الأركان العامة المالية، فإن الطائرة كانت في طريق عودتها من مهمة ميدانية عندما واجهت عاصفة رملية شديدة تسببت في “تدهور الرؤية الملاحية وخلل تقني حال دون الهبوط السليم”، مما اضطر الطيارين إلى الهبوط الاضطراري في نهر غاو.
وقد نجا الطاقم المكوّن من طيارين اثنين، وتم نقلهما إلى منشأة طبية عسكرية لتلقي العلاج. وأكد الجيش أن الحادث لن يؤثر على سير العمليات الجارية في المناطق القتالية.


2. نفي رسمي مقابل اتهام أزوادي

في المقابل، أفادت مصادر إعلامية مرتبطة بـ جبهة تحرير أزواد – وهي إحدى الحركات الانفصالية الطوارقية – أن الطائرة سقطت نتيجة نيران أرضية أطلقتها قواتها بالقرب من منطقة أجلهوك في شمال كيدال، وذلك في سياق اشتباكات عنيفة مستمرة مع القوات المالية.

وإن صحت هذه المزاعم، فإن ذلك يشكّل اختراقاً عسكرياً نوعياً لقدرات الحركات الأزوادية، ويطرح تساؤلات حول مدى قدرة الجيش المالي على تأمين الغطاء الجوي لقواته في جبهات مفتوحة، خاصة أن الطائرات الروسية الحديثة مثل “سوخوي” تُعد ركيزة أساسية في الاستراتيجية الجوية الحالية للجيش.


3. السياق العملياتي: كيدال تحت النيران

جاء هذا الحادث في ظل تنامي العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش المالي في منطقة كيدال – تحديداً حول مدينة أجلهوك – حيث تدور اشتباكات عنيفة منذ أسابيع مع الجماعات المسلحة الأزوادية.
وأشارت قيادة الجيش إلى تنفيذ عمليات نوعية في كل من أنيفيس وأنوملن يومي 12 و13 يونيو، أسفرت بحسب البيان الرسمي عن “تحييد عشرات المسلحين” وتدمير آليات عسكرية.
إلا أن الحركات الانفصالية، وعلى رأسها تنسيقية الحركات الأزوادية، ما تزال تسيطر على العديد من المواقع الاستراتيجية في شمال البلاد، وتحتفظ بهيكلية تسليحية معقدة، بدعم لوجستي يعتقد أنه يأتي عبر شبكات تهريب عابرة للحدود.


4. قراءة تحليلية: هشاشة التفوق الجوي المالي

في حال ثبتت صحة رواية الإسقاط – التي لم تؤكدها حتى الآن جهات مستقلة – فإن ذلك قد يشير إلى واحدة من أخطر نقاط الضعف في العقيدة القتالية المالية الحالية، والمبنية على التفوق الجوي كأداة حسم.

وبتحليل الحادثة في سياق أوسع، تبرز ثلاث ملاحظات أساسية:

  1. الاعتماد المفرط على القوة الجوية الروسية، دون بنية دفاعية أرضية فعالة.

  2. استمرار فجوة التنسيق بين القوات البرية والجوية، ما يفتح مجالاً للكمائن من الجماعات المسلحة.

  3. الطابع المفتوح وغير الحاسم للعمليات العسكرية في الشمال، ما يطيل أمد النزاع ويمنح خصوم الدولة فرصًا لتسجيل نقاط استراتيجية.


5. دلالات الحادث وتداعياته الأمنية

سواء كان الحادث نتيجة خلل تقني أو هجوماً مباشراً، فإنه يعكس هشاشة الوضع الأمني شمال مالي، حيث:

  • لا تزال الحركات الأزوادية تحتفظ بقدرات قتالية عالية

  • ويفتقر الجيش المالي إلى شبكة دعم لوجستي ثابتة، في ظل تقليص الشراكة مع القوى الغربية وانسحاب قوة برخان الفرنسية.

كما يسلّط الحادث الضوء على إخفاق حكومة باماكو في احتواء النزاع مع الطوارق سياسياً، مما يدفع باتجاه عسكرة النزاع، ويُعرقل أي مسار تفاوضي مستقبلي.


خاتمة 

رغم محاولة السلطات العسكرية التقليل من أهمية الحادث، فإن هبوط طائرة حربية في نهر غاو يحمل دلالات رمزية وعسكرية بالغة، خاصة إذا أُخذ في سياق تصاعد التوترات الميدانية في كيدال وعودة النشاط القتالي المكثف للجماعات الأزوادية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى