“التوازن العسكري في سوريا: تأثير القصف الإسرائيلي على العلاقات السورية-الإيرانية”
مقدمة
في السنوات الأخيرة، تزايدت الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، خاصة في مناطق قريبة من العاصمة دمشق. تعكس هذه الهجمات توترًا إقليميًا مستمرًا وتدخلاً مباشرًا في الصراع السوري من قبل قوى إقليمية ودولية. إسرائيل، باعتبارها أحد اللاعبين الرئيسيين في الصراع، تستهدف المواقع التي يُعتقد أنها تتعلق بالوجود الإيراني في سوريا، في حين يظل النظام السوري في موقف حرج بين قوى تدعمه مثل إيران، وحسابات إسرائيل الاستراتيجية في المنطقة. هذا البحث يسعى لاستكشاف هذا الوضع المعقد من خلال تحليل القصف الإسرائيلي على دمشق، تأثير الصراع الإيراني الإسرائيلي في سوريا، والعلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والنظام السوري.
القصف الإسرائيلي على دمشق:
تفاصيل القصف:
شهدت العاصمة السورية دمشق في الآونة الأخيرة موجة من الهجمات الجوية التي استهدفت بشكل رئيسي الأحياء الحيوية مثل حي المزة وحي قدسيا. الهجمات، التي كانت تأتي بعد انفجارات غامضة، أسفرت عن مقتل وإصابة العديد من المدنيين وتدمير عدد من المنشآت والمرافق التابعة للنظام السوري. إسرائيل، كما جرت العادة، تصر على أن هذه الهجمات تستهدف مواقع عسكرية مرتبطة بإيران أو بالميليشيات المدعومة منها.
الاستراتيجية الإسرائيلية:
إسرائيل تنفذ هجماتها في إطار استراتيجيتها الأمنية الرامية إلى تقويض التواجد الإيراني في سوريا. من خلال استهداف المواقع الإيرانية، تحاول إسرائيل تحجيم النفوذ الإيراني، خصوصًا بعد أن قامت إيران بتوسيع وجودها العسكري في سوريا باستخدام قواعد عسكرية ومرافق استراتيجية.
الأهداف المحتملة للهجمات:
الهدف الأساسي للهجمات الإسرائيلية هو القضاء على البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سوريا، خاصة تلك التي تهدد أمن إسرائيل، مثل منظومات الصواريخ المتقدمة أو قوافل الأسلحة الموجهة إلى “حزب الله” اللبناني. في الوقت نفسه، تسعى إسرائيل إلى إرسال رسالة مفادها أن أي محاولة لتهديد أمنها ستواجه برد قاسي.
النظام السوري والموقف من الصراع:
حسابات الأسد:
بشار الأسد، رغم تصريحاته العلنية التي تدعم القضية الفلسطينية وتدين الاعتداءات الإسرائيلية، يتبنى سياسة توازن دقيق في تعامله مع إسرائيل. الأسد يعلم أن أي تصعيد مباشر مع إسرائيل قد يعرض حكمه لتهديدات كبيرة في ظل الظروف الراهنة لسوريا. كما أن الضغوط الاقتصادية والعسكرية التي يواجهها تجبره على توخي الحذر.
علاقة الأسد بإيران وحزب الله:
على الرغم من الدعم العسكري والاقتصادي الإيراني المستمر للنظام السوري، يواجه الأسد تحديات في تلبية مطالب إيران، التي تتطلب تعزيز وجودها العسكري في سوريا. بينما يسعى النظام السوري لتحقيق أهدافه في الحفاظ على الاستقرار الداخلي، فإنه أيضًا يواجه ضغوطًا من إسرائيل التي تسعى لتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.
الصراع الإيراني الإسرائيلي في سوريا:
التواجد الإيراني في سوريا:
إيران تعتبر نفسها لاعبًا رئيسيًا في دعم النظام السوري ضد المعارضة، خاصة بعد تصعيد الحرب في سوريا. تواجدها في سوريا يعزز من نفوذها العسكري في المنطقة ويشكل تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل. الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا، بما في ذلك “حزب الله”، قد تؤدي إلى تغيرات استراتيجية في المنطقة، ما يجعل إسرائيل في حالة استعداد دائم للتصدي لأي تهديدات.
الضغوط الإسرائيلية:
إسرائيل لا تقتصر استراتيجيتها على التصدي للتهديدات المباشرة من الميليشيات الإيرانية في لبنان، بل تركز أيضًا على منع توطيد هذا النفوذ في سوريا. إسرائيل ترى في هذه التطورات تهديدًا طويل الأمد يمكن أن يؤدي إلى تعزيز قدرات إيران في الساحة السورية، بما في ذلك نشر صواريخ دقيقة قد تهدد مناطق واسعة في إسرائيل.
المصالح الإسرائيلية والنظام السوري:
التوازن الحذر:
رغم العداء العلني بين النظام السوري وإسرائيل، هناك مصالح استراتيجية مشتركة بين الطرفين. النظام السوري يسعى إلى الحفاظ على استقراره الداخلي في ظل أزماته الاقتصادية والسياسية، بينما تسعى إسرائيل إلى ضمان عدم تحول سوريا إلى ساحة تهديد عسكرية ضدها من خلال تعزيز وجود إيران في البلاد.
المصالح المشتركة:
- التنسيق الأمني: تشير بعض التقارير إلى تنسيق غير رسمي بين إسرائيل والنظام السوري. على سبيل المثال، يمكن أن يتجنب النظام السوري التصعيد على جبهات معينة، في حين تسعى إسرائيل إلى تقليص النفوذ الإيراني في سوريا.
- الوجود الإيراني: على الرغم من الحاجة الإيرانية لدعم الأسد، يسعى النظام السوري إلى إدارة تواجده الإيراني بعناية لتجنب التصعيد مع إسرائيل، التي قد ترى في هذا التواجد تهديدًا مباشرًا.
الضغوط الغربية على النظام السوري:
الموقف الغربي:
تستمر الضغوط الغربية على النظام السوري من خلال العقوبات والتضييقات السياسية، مما يعزز من أهمية العلاقة السورية-الإيرانية. في الوقت نفسه، تحاول بعض القوى الغربية، خاصة في المنطقة العربية، الضغط على الأسد لإعادة الاندماج في النظام الإقليمي دون الاستمرار في السماح لتوسع النفوذ الإيراني في سوريا.
الضغط الخليجي:
دول مثل السعودية والإمارات كانت قد أظهرت إشارات على استعدادها لإعادة تأهيل العلاقات مع سوريا، ولكن ذلك يتوقف على قدرة الأسد على إيجاد توازن بين علاقاته مع إيران ودعمه لاستقرار المنطقة.
الخاتمة:
في النهاية، يشير القصف الإسرائيلي على دمشق إلى تصاعد التوترات في سوريا، حيث أن الصراع الإقليمي والدولي يتداخل مع الحسابات السياسية الداخلية للنظام السوري. بينما تحاول إسرائيل تقليص تأثير إيران في سوريا، يبقى النظام السوري في موقف حرج بين الحفاظ على استقراره الداخلي من جهة، وضغوط القوى الإقليمية والدولية من جهة أخرى. يعتمد مستقبل هذه العلاقات على قدرة النظام السوري على الموازنة بين القوى المختلفة، مع تجنب التصعيد العسكري المباشر مع إسرائيل في الوقت نفسه.