الدراسات والبحوثتقدير موقف

انقسام داخل قبيلة المسيرية: بين دعم “الدعم السريع” والحياد تجاه تقدم الجيش السوداني

الخرطوم – مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي

1. مقدمة: انقسام في لحظة حرجة

تشهد قبيلة المسيرية، وهي واحدة من أكبر الكيانات العشائرية في غرب كردفان، خلافات داخلية متصاعدة حيال كيفية التعامل مع التقدم العسكري للجيش السوداني باتجاه المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. ويعكس هذا الانقسام تعقيدات المشهد الأهلي والعسكري في الإقليم، حيث يتقاطع الولاء القبلي مع الحسابات السياسية والأمنية على الأرض.


2. موقف ناظر القبيلة: الحياد كخيار إستراتيجي

أفادت مصادر أهلية لمركز مسارات أن ناظر قبيلة المسيرية وعددًا من العمد وقادة العشيرة يفضلون عدم التدخل في الشأن السياسي أو العسكري، ويدعون إلى تجنب المواجهة مع الدولة. ويستند هذا الموقف إلى مخاوف من إراقة دماء الشباب، وتدمير المنشآت الحيوية مثل حقول النفط، وتهجير السكان المدنيين من مناطقهم.

ويمثّل هذا التيار “الرسمي” داخل القبيلة امتدادًا لخطاب يرفض عسكرة الموقف القبلي، ويدعو إلى تحييد المسيرية عن الصراع القائم بين الجيش والدعم السريع، خاصة في ظل حساسية المواقع التي تنتشر فيها القبيلة، مثل المجلد والفولة ولقاوة.


3. تيار مناهض: التحالف مع الدعم السريع ومقاومة الجيش

في المقابل، تُظهر تقارير ميدانية أن فصيلاً داخل قبيلة المسيرية لا يزال يفضل التحالف مع قوات الدعم السريع، بل يدعو إلى طرد الجيش من مدينتي بابنوسة ومنطقة هجليج الغنية بالنفط. وبحسب مصادر مسارات، فإن الدعم السريع قد قدّم دعمًا ماليًا لبعض هذه المجموعات عبر قيادات محلية تنتمي للقبيلة، في محاولة للحفاظ على ولاء العشائر داخل مناطق نفوذه.

وأفادت المصادر أن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عقد اجتماعات في الفترة الأخيرة مع عدد من زعماء المسيرية –لم تُحدد هويتهم– بهدف تعزيز التنسيق الميداني ومنع اختراق الجيش لهذه المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية.


4. واقع السيطرة الميدانية: توزيع النفوذ بين الجيش والدعم السريع

تُعد مدينة الفولة، إلى جانب المجلد والميرم ولقاوة، من أبرز معاقل قبيلة المسيرية، وجميعها تقع حاليًا تحت سيطرة قوات الدعم السريع. في المقابل، يسيطر الجيش السوداني على مدينة بابنوسة وبعض منشآت إنتاج النفط في هجليج، ما يجعل المنطقة ساحة تنافس حاسم بين الطرفين.

وذكرت مصادر أمنية ومحلية أن قوات الدعم السريع قامت مؤخرًا بنقل عشرات المعتقلين من مناطق غرب كردفان إلى مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، والتي باتت تُستخدم كمركز قيادة ميدانية رئيسي للدعم السريع منذ تصاعد العمليات العسكرية.


5. المشهد الداخلي للمسيرية: إعادة تشكيل الولاءات

بحسب شهادات ميدانية، تشهد المجموعات العشائرية داخل المسيرية “إعادة ترتيب داخلي”، في ظل الضغط المتزايد من طرفي النزاع. وذكرت مصادر محلية من داخل المجلد أن بعض المجموعات ترفض بشدة دخول الجيش إلى المنطقة، في حين بدأت أخرى بإجراء تواصل سري أو علني مع القوات الحكومية، ما يكشف عن انقسام غير مسبوق في صفوف القبيلة حول الموقف من الحرب.

ويُعزى هذا الانقسام إلى اختلاف تقديرات المخاطر والمصالح، حيث يرى البعض أن دعم قوات الدعم السريع يضمن استمرار نفوذ المسيرية المحلي، بينما يرى آخرون أن التفاوض مع الجيش يفتح الباب أمام الاستقرار واستعادة الخدمات في المنطقة.


6. السياق التاريخي: المسيرية بين السلطة والسلاح

لطالما لعبت قبيلة المسيرية دورًا محوريًا في النزاعات المسلحة في السودان، لا سيما خلال الحرب الأهلية في جنوب السودان، حيث استخدمها النظام السابق كقوة مساندة ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان. ويُعتقد أن هذا الإرث من التسليح والتسييس هو ما يعقّد موقف القبيلة في الصراع الحالي، ويمنع ظهور موقف موحد بين أبنائها.


7. تقدير موقف: المخاطر والسيناريوهات

يشكل الانقسام داخل قبيلة المسيرية تحديًا إضافيًا لجهود تحقيق الاستقرار في غرب كردفان، لا سيما أن المنطقة تُعد مركزًا لإنتاج النفط ونقطة عبور إستراتيجية بين ولايات دارفور وكردفان. وفي حال تطور هذا الانقسام إلى اشتباكات داخلية أو انزلاق لفصائل المسيرية نحو حرب بالوكالة، فقد يؤدي ذلك إلى تفكك البنية المجتمعية وارتفاع وتيرة العنف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى