الدراسات والبحوثتقارير

تصعيد ميداني وتحوّل استراتيجي: الجماعات الجهادية تستهدف المصالح الصينية في غرب مالي

باماكو  – مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي

1. مقدمة:

تشهد منطقة كايس غرب مالي تصاعدًا غير مسبوق في استهداف الجماعات الجهادية للمواقع الاقتصادية، في تطور يحمل دلالات استراتيجية عميقة بشأن طبيعة النزاع وامتداداته الإقليمية والدولية. خلال ثلاثة أسابيع فقط، تعرضت ثلاث شركات أجنبية لهجمات مباشرة، أسفرت عن عمليات خطف وتدمير ممنهج للمعدات، في نمط يتجاوز العنف التقليدي ليأخذ أبعادًا جيوسياسية.


2. تحليل العمليات الثلاث:

الهجوم الأول – 4 مايو 2025:
اختطاف عاملين صينيين في “لاغاماني” يشكل أول استهداف مباشر للمصالح الصينية في غرب مالي. العملية نفذتها مجموعة مسلحة يُعتقد أنها تابعة لجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، وفق مصادر ميدانية، وتأتي في ظل توسع صيني متزايد في قطاع التنقيب عن الذهب.

الهجوم الثاني – 17 مايو 2025:
قافلة تابعة لشركة تعدين بين جيما وسانداري تعرضت لهجوم مسلح أدى إلى إحراق معدات وسرقة مركبات، ما يعكس قدرة لوجستية متنامية للجماعة، وغياب التنسيق الأمني الفاعل في تلك المناطق.

الهجوم الثالث – 24 مايو 2025:
استهداف مباشر لموقع شركة COVEC الصينية في مشروع إعادة تأهيل طريق RN1، تم خلاله تدمير الرافعات والمستودعات، في محاولة واضحة لتعطيل المشاريع الاستراتيجية في المنطقة، وإرسال رسالة قوية لبكين.


3. البعد الإعلامي – الصور كأداة تفاوض وتهديد:

تحصل مركز مسارات على صور حصرية توثق ظهور العاملين الصينيين المختطفين، بالإضافة إلى صور لرهائن صينيين من النيجر، في مؤشر على تبني الجماعة سياسة إعلامية ممنهجة لبث رسائل نفسية مركبة، تهدف إلى:

  • إظهار قدرة السيطرة والاحتجاز الطويل.

  • الضغط على الحكومة الصينية بشكل غير مباشر.

  • فتح مسارات تفاوض سرية أو عرض شروط مقابل الإفراج.

صور خاصة حصل عليها مركز مسارات من مصادر في مالي للمختطفين الصينين 


4. قراءة جيوسياسية: رسائل إلى الصين وشركائها

يتزامن تصاعد الهجمات مع زيارات رسمية صينية إلى مالي ودول الجوار، مما يعزز فرضية أن الجماعة تسعى إلى التأثير في مسار العلاقات الصينية – الإفريقية. ويشير مراقبون إلى احتمال استهداف المصالح الروسية والتركية لاحقًا، نتيجة اعتبار الجماعات الجهادية أن هذه القوى أصبحت جزءًا من التحالف الأمني ضدها.


5. ضعف استجابة الدولة: هشاشة استراتيجية الردع

يشير غياب الرد العسكري السريع على الهجمات، خصوصًا في سانداري (140 كلم فقط عن مدينة كايس)، إلى ثغرات هيكلية في الاستراتيجية الأمنية المالية، خاصة بعد انسحاب القوات الغربية، والاعتماد المفرط على الميليشيات أو شركات الأمن الخاصة.


6. التداعيات المحتملة:

  • اقتصاديًا: قد تضطر شركات صينية إلى تقليص أنشطتها أو تجميد مشاريعها.

  • أمنيًا: تصاعد الاستهداف سيزيد من حالة الفراغ الأمني.

  • سياسيًا: يمكن أن يؤدي ذلك إلى إعادة تقييم بكين لعلاقاتها مع أنظمة المنطقة، وربما فرض شروط أمنية جديدة أو تدخل مباشر.

  • إعلاميًا: سيُستخدم هذا الملف في الخطاب الجهادي كأداة لتجنيد وتحشيد الرأي العام المناهض للوجود الأجنبي.


7. خلاصة:

يُمثل هذا التصعيد تحوّلاً واضحًا في التكتيك الجهادي في الساحل، من عمليات استنزاف محلية إلى استهداف مباشر للبنية الاقتصادية لدول فاعلة دوليًا، وهو ما يفرض على الحكومات والشركات والمجتمع الدولي:

  • تعزيز التعاون الاستخباراتي الإقليمي.

  • إعادة تقييم وجود الشركات الأجنبية في مناطق الصراع.

  • صياغة مقاربة وقائية أمنية تراعي تحوّلات الجماعات الجهادية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى