قد تبدو إمكانية التعاون بين موسكو وطهران في مجالات معينة؛ مثل التكنولوجيا العسكرية واعدة، لكن لا يمكن الاعتماد على إيران في مساعدة الاقتصاد الروسي – اعتمادا حقيقيا – على تحمل تأثير العقوبات.
منذ بداية الحرب في أوكرانيا، ازدهرت العلاقات بين روسيا وإيران، بعد أن تعرضت لمجموعة جديدة من العقوبات الغربية الصارمة؛ بسبب غزوها لأوكرانيا، وعندها بدأت موسكو في البحث عن شركاء بديلين من بين الدول الأخرى المعادية للغرب – تقليديًا- وكانت القصد من ذلك تحقيق أهداف كثيرة، كان من أهمها – تجاوز القيود التجارية – ويبدو أن إيران مستعدة لتكون واحدة من أكثر الدول الواعدة.
كان جانب علاقتهما الذي جذب أكبر قدر من الاهتمام مؤخرًا هو استخدام روسيا للطائرات الإيرانية بدون طيار؛ لإرهاب المدن الأوكرانية، وقد نفت الحكومتان الروسية والإيرانية أن تكون طائرات (الكاميكازي) بدون طيار التي يستخدمها الجيش الروسي في أوكرانيا إيرانية الصنع، لكن الأدلة كلها تشير إلى أنها من صنع إيراني.
وقالت المخابرات العسكرية الأوكرانية في نهاية أكتوبر تشرين الأول: إن إيران على وشك البدء في تزويد روسيا بالصواريخ، لكن هذا بعيد كل البعد عن نطاق مشاريعهم المشتركة.
وقد شهد هذا العام عددًا قياسيًا من اللقاءات والاجتماعات بين كبار المسؤولين الروس ونظرائهم الإيرانيين، بما في ذلك زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران، وكان هناك الكثير من النقاش في هذه الاجتماعات حول كيفية الالتفاف على العقوبات الغربية على روسيا بمساعدة إيران، كما كانت تهدف أيضًا إلى الظهور أمام الجمهور المحلي الروسي بمظهر أن روسيا ليست معزولة دوليا، وأنها موجودة على الساحة الدولية، على الرغم من الجهود الغربية الواضحة والمؤثرة في ذلك.
وقد أسفرت تلك الاجتماعات عن اتفاقيات ملموسة أيضًا، وقد وعدت شركة (غاز بروم) – على سبيل المثال – باستثمار (40) مليار دولار في قطاع النفط والغاز الإيراني، في حين سيتم تصدير قطع الغيار الإيرانية لكل من السيارات والطائرات، إضافة إلى المركبات نفسها، إلى روسيا، كما كانت هناك زيادة في عدد الرحلات الجوية بين البلدين، في حين أن حجم التجارة – الذي بلغ 4 مليارات دولار في عام 2021 – قد يصل إلى 6 مليارات دولار “في المستقبل القريب”، وفقًا لمصادر طهران.
لكن هذا لا يعني أن إيران ستكون قادرة على تعويض الاقتصاد الروسي عن الخسائر الكبيرة التي تكبدتها روسيا نتيجة العقوبات الغربية؛ حتى لو كانت تلك التوقعات – الخاصة بنمو حجم التجارة – دقيقة، فإن هذا ما يزال أقل من 1٪ من إجمالي التجارة الخارجية لروسيا.
إن هناك فجوة كبيرة بين إيران ودول أخرى مثل تركيا؛ التي تبلغ قيمة تبادلاتها التجارية مع روسيا نحو 30 مليار دولار في السنة.
وقد أثارت الاتفاقات الجديدة الشكوك أكثر مما أثارت التفاؤل، فقد كانت صناعة الطيران المدني الإيرانية في أزمة حادة لسنوات عديدة (بسبب العقوبات الغربية أيضًا)، ولا يمكن أن يتم إنقاذها وتجاوزها من خلال بيع أجزاء فردية إلى روسيا.
صحيح أن صناعة السيارات الإيرانية شهدت انتعاشا وأيامًا أفضل من قبل، ولكن اللافت للنظر أن الحكومة – هذا العام – قررت التوقف عن تصنيع مجموعة من النماذج؛ نظرًا لاستهلاكها المفرط للوقود، وضعف معايير السلامة والبيئة، والتكلفة المرتفعة؛ مقارنة بالطرازات المماثلة المصنوعة في أماكن أخرى، وسيعوض النقص عن طريق استيراد السيارات الأجنبية.
من ناحية أخرى فإن هناك مجالات عديدة لا يمكن لإيران أن تملأ فيها الفراغ في السوق الروسية؛ مثل الأدوية، ومواد البناء، ومستحضرات التجميل، وغيرها، لأن إمكانات التنمية في هذه المجالات تكاد تكون محدودة.
إن تنفيذ مشاريع حكومية روسية واسعة النطاق أيضا في إيران، وجعلها فعّالة – من حيث التكلفة – لن يكون أمرًا سهلًا أيضًا؛ لأن طهران تعاني من عجز في السيولة والعملة الصعبة، وتكافح منذ سنوات عجزا كبيرا في الميزانية.
لقد خلق ذلك العجز مشاكل مع موسكو في الماضي؛ فإيران لم تسدد حتى الآن ديونها المستحقة لروسيا عن بناء محطة بوشهر النووية التي بدأت روسيا ببنائها في العام 2021، وكانت إيران وما تزال مدينة لروسيا بأكثر من 500 مليون دولار.
ومن المقرر أن يتم تمويل المشاريع الجديدة؛ مثل بناء محطة سيريك للطاقة وكهربة السكك الحديدية الإيرانية، بمساعدة قرض روسي بقيمة 5 مليارات دولار، وإذا كانت مهمة موسكو هي كسر العزلة، وزيادة نفوذها السياسي في إيران باستخدام هذه المشاريع، فهذا وارد وطبيعي، ويمكن تبرير هذا النهج والتوجه، لكن هذا الأمر – بالتأكيد- لن يساعد في إنقاذ الاقتصاد الروسي من تأثير العقوبات الدولية المفروضة، وقد يزيد أي مشروع الأمر تعقيدا للطرفين؛ بسبب موجات الاحتجاجات المتنوعة والمتتالية والمتنامية التي تشهدها إيران منذ ثمانية عشر شهرًا، وقد أصبحت نوبات الاضطرابات واسعة النطاق وطويلة الأمد ولا هوادة فيها، وزادت حدة انتقاد النظام السياسي في البلاد.
إن ردة فعل السلطات الإيرانية القاسي – إغلاق الأماكن العامة وتقييد الوصول إلى الإنترنت – وسيزداد الأمر سوءًا وتعقيدا إذا فقدت الحكومة السيطرة على الوضع في البلاد بشكل عام، أو حتى في بعض المناطق الفردية، فقد تنغمس إيران في أزمة حادة طويلة الأمد – على غرار فنزويلا – مما سيؤدي إلى زيادة الجريمة، ومشاكل الضرائب، وصعوبات الحفاظ على البنية التحتية الحيوية.
إن هذا المستوى من عدم الاستقرار يخلق مخاطر استثمارية خطيرة ويعيق تنفيذ أي اتفاقيات.
وهناك عقبة رئيسة أخرى أمام هذا التعاون؛ تتمثل في أنه في إيران ما يزال هناك من ينظر إلى روسيا – على نطاق واسع لأسباب تاريخية – على أنها قوة استعمارية؛ تسعى للسيطرة على الموارد المحلية.
وتظهر استطلاعات الرأي العام في إيران أن الموقف تجاه روسيا قد تراجع بعد غزو أوكرانيا في فبراير ومارس، وكانت هناك احتجاجات على نطاق صغير في طهران؛ ضد تصرفات موسكو.
لذلك لن يكون من السهل على السلطات الإيرانية تسويق التقارب مع روسيا للجمهور على أنه إنجاز، وعلى العكس من ذلك فقد تثير تلك الصفقات الكبرى مع موسكو نفسها مزيدًا من الاحتجاجات.
في العام الماضي – فقط – كانت هناك مظاهرات حاشدة في طهران جرت بعد توقيع اتفاقية تعاون استراتيجي طويل الأمد مع الصين.
ويمكن لإيران أن تساعد روسيا على التأقلم والعيش في ظل العقوبات؛ فهذه هي حقًا المنطقة ذات الإمكانات الأكبر لتبادل الخبرات، وقد يمكن لطهران تخفيف وطء الأثر السلبي للعقوبات على روسيا، ولكن لا يمكنها إبطالها تمامًا.
إن الناتج المحلي الإجمالي لإيران بالقيمة المطلقة هو اليوم تقريبًا ما كان عليه في 2010-2011، عندما تم تقديم حزمة من العقوبات الرئيسة ضد طهران، بينما ظل مستوى دخل الفرد الإيراني كما كان عليه في 2004-2005، إن التجربة الإيرانية ليست ملهمة..
في ظل هذا التقارب الحاصل بين موسكو وطهران، قد يبدو أن هناك إمكانية واعدة للتعاون في مجالات معينة؛ مثل التكنولوجيا العسكرية وغيرها، لكن لا يمكن لموسكو الاعتماد على إيران في مساعدة الاقتصاد الروسي على تحمل وطأة تأثير العقوبات الدولية الثقيلة بأي شكل من الأشكال
المصدر:
– كاتب المقال نيكيتا سماغن (خبير في الشأن الإيراني مع مجلس الشؤون الدولية الروسي)
– مركز كارنيغي
٤ نوفمبر, ٢٠٢٢