من أبوظبي إلى بنغازي ثم دارفور: خارطة الدعم العسكري واللوجستي لقوات الدعم السريع

الخرطوم – مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي
المقدمة
منذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان بين الجيش النظامي وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023، سعت الأطراف المتصارعة إلى توسيع قواعد دعمها اللوجستي والمالي والعسكري. وعلى الرغم من الحظر الأوروبي المفروض على تصدير الأسلحة إلى السودان، تكشف التحقيقات الحديثة عن مسارات تسليح معقدة تمر عبر دول وسيطة، وشبكات تجنيد مرتزقة، تم توظيفها لتغذية الصراع داخليًا. يتتبع هذا التقرير، بالاستناد إلى مصادر مفتوحة وتحقيقات استقصائية، بالإضافة إلى مصادر خاصة بمركز مسارات، جانبًا من هذا الدعم غير المباشر الذي يُشتبه في ضلوع أطراف إماراتية فيه، من خلال شركات خاصة ونقاط عبور لوجستية.
أولًا: خلفية النزاع وتحوّلات الدعم اللوجستي
شهد النزاع في السودان تصاعدًا تدريجيًا في حدة العمليات العسكرية منذ عام 2023، حيث سعت قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى ترسيخ نفوذها الميداني والسياسي، ما استدعى تعزيز قدراتها عبر شبكة دعم خارجية غير رسمية. وتأتي الإمارات العربية المتحدة في طليعة الدول التي ذُكرت في تقارير متعددة، إمّا كمصدر تمويل غير مباشر أو كحلقة وصل بين شبكات تجنيد المرتزقة وتوريد الأسلحة.
ثانيًا: مسارات تسليح مخالفة للحظر الأوروبي
1. تهريب قذائف هاون بلغارية الصنع
في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، صوّرت القوات المشتركة السودانية مقاطع فيديو تُظهر استيلاءها على قافلة أسلحة تحتوي على قذائف هاون ومعدات عسكرية. وقد تبيّن من التحقيقات الاستقصائية، التي نشرتها قناة فرانس 24، أن الأسلحة مصدرها بلغاريا، وشُحنت إلى ليبيا عبر شركات وسيطة، ثم نُقلت إلى السودان رغم الحظر الأوروبي الصريح المفروض منذ 2004 على تصدير الأسلحة لهذا البلد.
2. مجموعة “جولدن إنترناشيونال” ومقرها الإمارات
تكشف الوثائق الحصرية التي حصلت عليها تحقيقات إعلامية عن ضلوع شركة إماراتية تُدعى “Golden International Group” (المجموعة الذهبية الدولية)، والتي لعبت دورًا رئيسًا في شراء الأسلحة وشحنها إلى شرق ليبيا، حيث تخضع المنطقة لسيطرة الجنرال خليفة حفتر، الحليف الوثيق لأبو ظبي. تشير مصادر خاصة بمركز مسارات إلى وجود شحنات مماثلة تم تمريرها في أوقات سابقة إلى ذات الجهة عبر نقاط عبور بحرية وجوية من موانئ إماراتية.
ثالثًا: تجنيد المرتزقة الكولومبيين عبر الإمارات
تشير معطيات موثوقة إلى أن أكثر من 300 جندي كولومبي سابق تم تجنيدهم في خريف عام 2024 للانخراط في عمليات ميدانية داخل السودان، لصالح قوات الدعم السريع. مرّت عملية التجنيد عبر مراحل، تمثّلت بـ:
1. شركة A4SI الكولومبية (مقرها دبي)
هذه الشركة متخصصة في تجنيد العسكريين السابقين، وتدير عملياتها من الإمارات. ووفق وثيقة داخلية حصلت عليها وسيلة إعلامية استقصائية، تُخضع الشركة المجندين لاختبارات ميدانية دقيقة، قبل توقيعهم على عقود ثانوية مع شركة إماراتية ثانية تُدعى Global Security Services Group.
2. رحلة الانتقال: من بوغوتا إلى السودان عبر أبو ظبي وليبيا
أحد المرتزقة ويدعى كريستيان ل.، وثّق رحلته على وسائل التواصل، حيث انتقل من كولومبيا إلى فرنسا، ثم إلى الإمارات، ثم بنغازي، قبل أن يظهر جواز سفره في القافلة التي تم ضبطها على الحدود السودانية الليبية. يظهر ختم المغادرة من الإمارات بتاريخ 11 أكتوبر 2024، ما يؤكد عبوره عبر الأراضي الإماراتية خلال عملية نقله إلى الجبهة السودانية.
رابعًا: البعد الجيوسياسي للتحالف غير المُعلن بين حفتر والدعم السريع
تشير معلومات صادرة عن مصادر خاصة بمركز مسارات إلى أن قوات الدعم السريع وحفتر يرتبطان بعلاقة تكامل غير مُعلنة، تعود إلى ما قبل النزاع السوداني، عندما قدمت قوات الدعم السريع دعمًا ميدانيًا محدودًا لحفتر خلال الصراع الليبي.
ومنذ ذلك الحين، تشير البيانات إلى استخدام حفتر ميليشيات محلية، مثل “لواء سبل السلام” (قرب الكُفرة)، لتأمين مرور القوافل العسكرية والذخائر إلى السودان عبر الجنوب الليبي، خصوصًا منطقة الجوف – وهي النقطة التي حُدد فيها الموقع الجغرافي لآخر فيديو نشره المرتزق كريستيان ل.
خامسًا: التبعات القانونية والسياسية
يشكل هذا النمط من الدعم خرقًا مباشرًا للحظر الأوروبي على تصدير الأسلحة للسودان، ويثير تساؤلات حول مدى التزام الأطراف الوسيطة بالقوانين الدولية، خاصة مع وجود شركات خاصة تمارس أنشطة تجارية وعسكرية انطلاقًا من أراضٍ تابعة لدول خليجية مثل الإمارات.
وتُشير مصادر قانونية لمركز مسارات إلى إمكانية مساءلة بعض هذه الكيانات، لا سيما إن ثبت تقديمها دعمًا لميليشيا ضالعة في ارتكاب انتهاكات ضد المدنيين في مناطق النزاع السوداني.
خلاصة
تكشف الوثائق والمقاطع المرئية والتحقيقات الميدانية، بالإضافة إلى مصادر خاصة بمركز مسارات، عن شبكة دعم متعددة الجنسيات تقف وراء دعم قوات الدعم السريع في السودان، تبدأ من مصانع الأسلحة في أوروبا، مرورًا بالإمارات كممر لوجستي ومالي، وصولًا إلى الجبهات السودانية عبر شرق ليبيا.