الدراسات والبحوث

هل ينجح عسكر مصر بإدارة ملف سد النهضة

مقدمة:
تواجه مصر منذ الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي عدداً من التحديات الداخلية والخارجية، فعلى الصعيد الخارجي كان التدخل الدولي في ليبيا مهدداً للأمن القومي المصري ما اضطرار مصر للوقوف بحزم تخوفاً من تهديدات تطال داخلها المضطرب فيما كان ملف غاز المتوسط الملف الثاني على سلم أولويات النظام الحاكم والمرتبط بشكل عضوي بملف ليبيا، ويبرز حالياً ملف سد النهضة الذي يهدد أمنها المائي والذي يواجه تعنت أثيوبي للتعاون بوجه الحل.

نجاحات سابقة:
نجحت مصر سابقاً بحل ملفي غاز المتوسط وليبيا عبر استخدام نمط معين لمواجهة المخاطر وبذلك نشير أن الحل كان اعتمادا على عدد من المسارات.
• تحالفات مع دول من خارج الإقليم تجمعها المصالح والأهداف مع المصالح المصرية
• استخدام قوة ونهج الجيش في السياسة الخارجية
• استخدام قوة التحالفات العسكرية مع الدول لمواجهة التحديات الناشئة
• الابتعاد عن علاقات التعاون السياسي المباشر واستبدالها باستعراض القوة والتدريبات المشتركة كأدوات للسياسة الخارجية.
في مواجهة غاز المتوسط وتركيا عملت مصر على:
• زيادة تسليح الجيش المصري عبر عقود سريعة تهتم بتسليح القوة البحرية في إشارة للاستعداد لأي مواجهة بحرية تستوجب إعادة الحقوق ولو بالقوة
• القيام بمناورات وتدريبات مع دول أعضاء بالاتحاد الأوربي ودول تمتلك قوى عظمى
• إنشاء تحالفات عسكرية مع دول المنطقة لمواجهة الأخطار المشتركة والناتجة عن ترسيم الحدود التركية الليبية
• ترك مساحة للمناورة السياسية لتركيا كإشارة أن الباب مازال مفتوح للحل السياسي لإعادة ترسيم الحدود البحرية بما يناسب البلدين

في مواجهة الملف الليبي والتدخل التركي:
عملت بأسلوب مشابه تماماً لخطوات الحل السابقة
• كونها تمتلك قوة برية قامت بتطوير القوة الجوية لتتلائم مع المعارك المتوقعة في ليبيا
• أوعزت بالتدخل السريع والانتشار على كامل الجغرافية المصرية الموازية للحدود الليبية لإحتواء الخطر الناشئ
• تدخلت بشكل مباشر بعد التنسيق ضمن تحالف دولي ودعم أرضي لقوات حفتر على الجغرافية الليبية
• أعلنت أن التدخل ناشئ عن تخوفات مصرية تضر الأمن القومي المصري وهي الرسالة التي فُهمت من جانب تركيا أن التدخل المصري لا يهدف للعداء المباشر مع تركيا بقدر ما هو تخوف مصري من تبعات انتشار ووصول النفوذ التركي لمناطق تشكل خطر على الأمن المصري

بهذا نجد أن الأسلوب المتبع في حل الملفين متشابه لحد التطابق يقوم على مسارات تم ذكرها بداية، الجدير بالذكر أن سبب النجاح مرده أن دول التحالف (المعنية والمتوافقة) في كلى الملفين كانوا هم أنفسهم بصف واحد يجمعهم التخوف السياسي ضد النفوذ التركي، مع تحفظهم على موقع مصر ضمن خارطة القوة الإقليمية لصالح المحافظة على تفوق إسرائيل، وإضعاف القوة المصرية بخلق قوى موازية لها كالقوة العسكرية السعودية والإماراتية لتفقد قوة الردع الإقليمي التي تتمتع بها والمكانة التي تتملكها والهيبة التي تكتنفها.

بالمقابل فإن تحركات مصر حققت بعض النتائج بفضل التحالفات وحاولت التخفيف من بعض الآثار السلبية عليها
• تعزيز دورها وأهميتها لدى بعض دول المنطقة كدول الاتحاد الأوربي
• حصولها على عقود تسليح مهمة بفترة زمنية قياسية مستغلةً التحالفات المنفعية الناشئة
• هدفت مصر منذ اللحظة الأولى ل
1-استعادة دورها الإقليمي ومركزها المحوري
2-استخدام الردع الإستراتيجي لحل الملفات
3-الوصول لحل سياسي باستخدام أدوات القوة الخشنة

سد النهضة:
منذ انطلاق المفاوضات بشأن سد النهضة ظهر فريق التفاوض المصري بشكله المُعبر عن أهمية الملف فقد كان الوفد يضم الضباط المصريين ما يعني الرغبة المصرية بحل الملف بطريقة مشابهة للملفين السابقين، لكن ما يقف عائق بوجه ذلك مجموعة من الأمور الواجب الانتباه لها.

في ملف ليبيا وغاز المتوسط استعانة مصر بدول من خارج الإقليم وداخله جمعتهم معها الأهداف، أما فيما يخص ملف السد فهناك دول تحاول إضعاف المطالب المصرية والتقليل من التخوفات فالسعودية على سبيل المثال تستثمر في أثيوبيا زراعياً لتأمين حاجاتها الداخلية من المواد الزراعية وبذلك فالسد عامل مساعد لتحقيق أهدافها، كذلك فإن الكهرباء الناتجة عن السد قد تُشترى من دول الخليج في محاولة لتنويع مصادر الطاقة لديها والتخفيف من التلوث الجوي الناتج عن محطات التوليد المعتمدة على النفط.

لهذا نجد أن مصر شرعت بعلاقات مع دول إقليمية في القارة الافريقية لمواجهة السد وذلك لإدراكها أن دول التحالف في ملفي ليبيا وغاز المتوسط لا يقفون مع كامل أهدافها وتخوفاتها بشأن السد ولرغبتها بحل الملف داخل دول الاتحاد الافريقي.

أما عن طبيعة هذه التحالفات مع الدول الإفريقية المحيطة بأثيوبيا فهي أمنية وعسكرية وهو شكل مشابه لمسار الحل في ليبيا وغاز المتوسط لكن باختلاف الدول المتحالفة. يُظهر هذ الأمر أن هناك ضعف بقوة التحالفات لعدم وجود دول ذات قوة معتبرة تقف لجانب مصر ما يعكس ضعف في الموقف المصري الحالي وحاجتها لمسار طويل لتجاوز ذلك، صحيح أن دول مثل تركيا عرضت نفسها كوسيط لكن هذا لا يرقى لأهداف وتطلعات مصر ومطالبها فقد حددت تركيا دور الوساطة بتقديم مساعدات تقنية بمعنى موافقتها الضمنية على بناء السد ووضع شروط ملئ معروفة ومعلنة بين الدول وهذا مالا تقبله مصر ولذلك تم تجاهل المبادرة التركية، كما يرد اسم السعودية كوسيط لكنه وللأسباب التي تم ذكرها سابقاً لا تعبر وسيط محايد طالما ان مصالحها تتفق مع بناء السد
تعمل مصر إلى جانب تطويق أثيوبيا على استخدام رسائل عبر أدوات القوة الناعمة كاستعراض موكب المومياوات والنجاح بتحرير السفينة الجانحة في قناة السويس في محاولة لإظهار المكانة المصرية والتاريخ العريق لها، كل ذلك بهدف تفعيل الردع الإقليمي ضد أثيوبيا التي تقرأ الضعف المصري الحالي رغم كل الإنجازات فأثيوبيا باتت تعلم أن مصر لا يمكنها استخدام القوة ضد السد

• لمعوقات عسكرية وفنية ومصاعب كبيرة تواجه أي عمل عسكري
• عدم وجود ضوء أخضر دولي لضرب السد ما يعني ارتدادات سلبية على مصر هنا يتبادر لصانع القرار المصري حرب الكويت وتوهم صدام بوجود موافقة أمريكية
• عدم وجود حدود جغرافية مشتركة لتفعيل أساليب عسكرية واستخباراتية كقوات الكومندو أو دعم القلقة دخل أثيوبيا
• مواقف الدول الحليفة لمصر والمؤيدة للسد

تاريخياً واجهت مصر مثل هذه المواقف بالضعف ما اضطر العسكر لقبول الأمر الواقع كما محادثات السلام مع إسرائيل عندما وجدوا أنفسهم مضطرين لعقد اتفاق السلام مع إسرائيل.

انطلاقاً مما سبق سيكون مسار الحل طويل وبخطوات بطيئة وغير مضمون النتائج لصالح مصر طالما بقيت الظروف المحيطة بالملف قائمة وطالما بقيت أثيوبيا في تعنتها ومدركة للضعف المصري وغير معتبرة لقوة الردع التي تمتلكها مصر ولإدراكها لتراجع مكانة مصر في المنطقة وهو ما تحاول مصر تغييره اليوم.

خاتمة:
تعمل مصر على توظيف أدوات القوة الخشنة في السياسة الخارجية لحل ملفاتها العالقة وتحقيق مكاسب سياسية والحصول على أوراق تفاوضية بوجه القوى المقابلة لها لحظة جلوسهم على طاولة التفاوض، وبذلك فالهدف من توظيف القوة والتلويح بها هو الحصول على أوراق تفاوضية وليس استخدامها وهو ما لمسته أثيوبيا فعملت على التعنت بحل الملف والإصرار على موقفها لإدراكها عجز مصر استخدام قوة الردع ضد السد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: