أسباب وتداعيات غارات النظام السوري وروسيا على مرافق حيوية في الشمال السوري
يَشْهَدُ الشَّمالُ السُّورِيُّ غاراتٍ مُتَعَدِّدةً لِلنِّظامِ السُّورِيِّ ولِحَلِيفِهِ الرُّوسِيِّ على مَرافِقَ اقْتِصادِيّةٍ وحَيَوِيّةٍ في الآوِنةِ الأَخِيرةِ. ارْتَفَعَتْ وتِيرَتُها في الشُّهُورِ الماضِيةِ وفي شَهْرِ مارِسَ الحالِيِّ على وجْهِ الخُصُوصِ، فَما أَسْبابُ هذه الاسْتِهْدافاتِ وما دَلالاتُها؟
لِفَهْمِ الدَّوافِعِ الحَقِيقِيّةِ لهذه الغاراتِ لا بُدَّ من مَعْرِفةِ الظُّرُوفِ الحالِيّةِ لِلنِّظامِ السُّورِيِّ، فالضُّغُوطُ الاقْتِصادِيّةُ على النِّظامِ في ذُرْوَتِها. واللِّيرةُ السُّورِيّةُ تَشْهَدُ أَسْوأَ أَيّامِها مُنْذُ بِدايةِ الحَرْبِ السُّورِيّةِ، كَما تَرْتَفِعُ نِسْبةُ الفَقْرِ في البِلادِ. وذلك في ظِلِّ عَجْزِ النِّظامِ التّامِّ عن إيجادِ حُلُولٍ لِلْأَزَماتِ الاقْتِصادِيّةِ، أَوْ القُدْرةِ على تَوْفِيرِ المُتَطَلَّباتِ الرَّئِيسةِ لِمُواطِنِيهِ.
في ظِلِّ الواقِعِ السَّيِّئِ لِمَناطِقِ سَيْطَرةِ النِّظامِ وعَدَمِ تَوافُرِ المَحْرُوقاتِ والخُبْزِ والكَهْرَباءِ، تَبْدُو مَناطِقُ الشَّمالِ السُّورِيِّ مُسْتَقِرّةً أَكْثَرَ مُقارَنةً بِمَناطِقِ النِّظامِ. على الرَّغْمِ من أَنَّ مَناطِقَ الشَّمالِ السُّورِيِّ لَيْسَتْ بِأَفْضَلِ حالاتِها اقْتِصادِيًّا فإنَّها أَفْضَلُ من مَناطِقِ النِّظامِ.
إنَّ قَصْفَ مَصافي النِّفْطِ المَحَلِّيّةِ في الشَّمالِ السُّورِيِّ تَسْتَهْدِفُ الضَّغْطَ على قَسَدَ لِتَوْرِيدِ النِّفْطِ لِمَناطِقِ النِّظامِ. هذا من جِهةٍ، ومن جِهةٍ أُخْرَى فَإنَّ النِّظامَ ومن ورائِهِ رُوسْيا يَسْعَى إلى عَدَمِ ظُهُورِ مَناطِقِ الشَّمالِ السُّورِيِّ أَكْثَرَ اسْتِقْرارًا من مَناطِقِهِ وهذا لَهُ دَلالاتٌ إِسْتِراتِيجِيّةٌ بَعِيدةُ المَدَى.
يَسْعَى النِّظامُ السُّورِيُّ وحُلَفاؤُهُ للتَّسْوِيقِ عَرَبِيًّا ودَوْلِيًّا أَنَّ مَناطِقَ الشَّمالِ السُّورِيِّ بالِغةُ السُّوءِ من ناحِيةِ الأَمْنِ والخِدْماتِ الاقْتِصادِيّةِ. كَما يَسْعَوْنَ لِلتَّسْوِيقِ بِأَنَّ الشَّمالَ السُّورِيَّ مُسَيْطَرٌ عَلَيْهِ من قِبَلِ جَماعاتٍ إرْهابِيّةٍ تَكْفِيرِيّةٍ وبِالتّالِي لا يُرْتَجَى مِنْهُ أَيُّ اسْتِقْرارٍ اقْتِصادِيٍّ أَوْ أَمْنِيٍّ. والهَدَفُ من هذا التَّسْوِيقِ إقْناعُ المُجْتَمَعِ العَرَبِيِّ والدَّوْلِيِّ بِأَنَّ النِّظامَ السُّورِيَّ هو الجِهةُ الوَحِيدةُ الَّتِي يُمْكِنُ التَّعامُلُ مَعَها اقْتِصادِيًّا وسِياسِيًّا.
وَلِتَحْقِيقِ هذا الهَدَفِ يَسْعَى النِّظامُ السُّورِيُّ وحَلِيفُهُ الرُّوسِيُّ لِضَرْبِ أَيِّ مِرْفَقٍ اقْتِصادِيٍّ حَيَوِيٍّ في الشَّمالِ السُّورِيِّ. وذلك لِلدَّفْعِ بهذه المِنْطَقةِ لِتَكُونَ أَسْوَأَ من مَناطِقِ النِّظامِ أَوْ على أَقَلِّ تَقْدِيرِ مِثْلَها.
يَسْعَى النِّظامُ السُّورِيُّ لاسْتِغْلالِ المُساعَداتِ الإنْسانِيّةِ القادِمةِ إلى الشَّمالِ السُّورِيِّ، ومَعْبَرُ بابِ الهَوَى هو المَعْبَرُ الرَّئِيسُ الَّذِي تَمُرُّ عَبْرَهُ هذه المُساعَداتُ. والنِّظامُ وحُلَفاؤُهُ يَسْعَوْنَ لِأَنْ يَتِمَّ إدْخالُ المُساعَداتِ الإنْسانِيّةِ إلى الشَّمالِ السُّورِيِّ عن طَرِيقِ مَعابِرِهِ هُوَ، وهذا لَنْ يَتَحَقَّقَ إلّا من خِلالِ تَعْطِيلِ مَعابِرِ الشَّمالِ السُّورِيِّ.
كَما يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لهذه الغاراتِ دَلالاتٌ سِياسِيّةٌ، فالنِّظامُ وحُلَفاؤُهُ يَسْعَوْنَ لِلضَّغْطِ على المُجْتَمَعِ الدَّوْلِيِّ لِلْمُضِيِّ في حَلٍّ لِلْقَضِيّةِ السُّورِيّةِ وَفْقًا لِرُؤْيَتِهِمْ. فَقَدْ يَكُونُ الضَّغْطُ على المَدَنِيِّينَ في الشَّمالِ السُّورِيِّ إحْدَى وسائِلِ الضَّغْطِ على المُجْتَمَعِ الدَّوْلِيِّ.
كَما قَدْ يَكُونُ تَكْثِيفُ الغاراتِ وزِيادةُ حِدَّتِها دَلِيلٌ على فَشَلِ المَساعِي الرُّوسِيّةِ في تَسْوِيقِ النِّظامِ عَرَبِيًّا. فالنِّظامُ وحُلَفاؤُهُ يَسْعَوْنَ لِزِيادةِ التَّوَتُّرِ في المِنْطَقةِ كَوَسِيلةِ ضَغْطٍ.
فِيما يَتَعَلَّقُ بِكَيْفِيّةِ تَجَنُّبِ مِنْطَقةِ الشَّمالِ السُّورِيِّ لِهذه الغاراتِ. فَمن المُؤَكَّدِ أَنَّهُ لَيْسَ بِإمْكانِ السُّلْطةِ السِّياسِيّةِ والعَسْكَرِيّةِ المُعارِضةِ مُواجَهةُ هذه الغاراتِ. لا سِيَّما أَنَّها تَتِمُّ بِالطَّيَرانِ الرُّوسِيِّ الحَدِيثِ وصَوارِيخَ بالِسْتِيّةٍ من بَوارِجِ رُوسْيا في البَحْرِ.
الحَلُّ لَيْسَ عَسْكَرِيًّا بِالتَّأْكِيدِ، ولَعَلَّ من أَسْبابِ هذه الغاراتِ دَفْعَ الفَصائِلِ في الشَّمالِ السُّورِيِّ لِلرَّدِّ وبِالتّالِي انْهِيارُ الهُدْنةِ. من مَصْلَحةِ النِّظامِ إعادةُ المَعارِكِ في الشَّمالِ السُّورِيِّ بِهَدَفِ خَلْطِ الأَوْراقِ من جَدِيدٍ.
لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الحَلُّ لِهذه الغاراتِ سِياسِيًّا، ولا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِمَساعٍ من الضّامِنِ التُّرْكِيِّ. من خِلالِ تَواصُلٍ تُرْكِيٍّ رُوسِيٍّ لِتَجْنِيبِ الشَّمالِ السُّورِيِّ مَوْجاتِ قَصْفٍ جَدِيدةً.