
باماكو – مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي
أولًا: الخلفية والسياق العام
تشهد منطقة غوسي الواقعة في إقليم تمبكتو شمال مالي تصاعدًا في وتيرة التدهور الإنساني نتيجة الحصار الذي تفرضه جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ويأتي هذا الحصار بعد أقل من شهر على رفع الجماعة لحصارها السابق عن بلدة بوني، أحد المعابر الحيوية بين شمال وجنوب البلاد.
ويعكس تكرار هذا النمط التكتيكي في فرض الحصار ثم رفعه ثم إعادة استخدامه في مواقع أخرى، وجود استراتيجية متعمدة تستهدف زعزعة الاستقرار المحلي وفرض نفوذ الجماعة على خطوط المواصلات والمعابر الحيوية داخل مالي.
ثانيًا: الواقع الميداني – أبعاد إنسانية وأمنية
وفق ما أفادت به مصادر محلية موثوقة:
-
قامت الجماعة المسلحة بإغلاق الطرق المؤدية إلى غوسي وأصدرت إنذارًا لسكان القرى المحيطة بإخلائها خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أيام.
-
شهدت المنطقة موجة نزوح جماعي عبر بحيرة غوسي، وسط ظروف معيشية قاسية وانعدام للخدمات الأساسية.
-
يُسجَّل انقطاع كامل في الاتصالات، مما أدى إلى عزل البلدة عن باقي المناطق، وأعاق جهود التوثيق والاستجابة الإنسانية.
-
غياب أي استجابة فاعلة من السلطات المحلية، التي لم تُسجّل أي تدخل يُذكر لإعادة فتح الطرق أو تأمين ممرات آمنة للنازحين.
تبرز أهمية غوسي الاستراتيجية كونها المعبر الوحيد بين الشمال والوسط، ما يجعل حصارها عاملًا مؤثرًا في تقسيم البلاد فعليًا إلى مناطق معزولة. ويُجبر ذلك السكان على اتخاذ طرق التفافية محفوفة بالمخاطر عبر النيجر أو بوركينا فاسو، أو السفر لمسافات طويلة عبر عدة دول غرب أفريقية.
ثالثًا: الديناميكيات السياسية والأمنية
رغم حساسية الموقف، تتصاعد انتقادات محلية لأداء الحكومة الانتقالية بقيادة الجنرال عاصمي غويتا. وتشير مصادر ميدانية إلى:
-
انشغال الحكومة بالصراع السياسي الداخلي وإهمال الجبهة الأمنية.
-
اتهامات بوجود تردد في التعامل مع الجماعات المسلحة وغياب استراتيجية شاملة لحماية المدنيين.
-
غياب آلية واضحة للتنسيق بين الحكومة والوسطاء المحليين، لا سيما الزعامات القبلية التي يُعتقد أنها لعبت دورًا في المفاوضات السابقة، كما حصل في بوني.
رابعًا: المخاطر المستقبلية
تعكس الأزمة الحالية في غوسي مجموعة من المخاطر:
-
تعزيز نفوذ الجماعات الجهادية في مناطق الشمال والوسط.
-
تآكل ثقة السكان المحليين بالدولة ومؤسساتها الأمنية.
-
تحول الحصار إلى نمط مستدام من سيطرة الجماعات المسلحة على مفاصل الجغرافيا الحيوية.
-
ارتفاع احتمالات وقوع أزمة إنسانية مزمنة مع عجز المنظمات الدولية عن الوصول إلى المنطقة.
خامسًا: خلاصة
تمثّل غوسي اليوم نموذجًا متقدّمًا لتفاقم الأزمات المركبة في الساحل الأفريقي، حيث تتداخل العوامل الأمنية والإنسانية والسياسية.
ومع تزايد الانكفاء الرسمي، واتساع فجوة الثقة بين المواطن والدولة، تبقى استجابة المجتمع الدولي والفاعلين الإقليميين مسألة حيوية لتجنّب كارثة إنسانية شاملة في شمال مالي.