مقالات الرأي

هل تحول القطاع العام السوري لأكبر مؤسسة تطوعية في العالم؟

تُعاني اللّيرة السُّوريّة من تَدَهْوُر مُستَمِرّ بَلَغ مُستَوَيات قياسيّة، إذ تَدنَّتْ قِيمَتها ل 3,350 ليرة للدُّولار الواحِد، وهذا ما أثَّر على المُستَوَى المَعيشيّ للسُّوريّين، إلّا أنّ الأكثَر تَضرُّرًا من هذا التَّرَدّي هُم مُوظَّفُو القِطاع العامّ لَدَى مُؤَسَّسات النِّظام، فَفي ظِلّ القِيمة الحاليّة للسُّوريّة يَقِلّ راتِب المُوَظَّف عن 20 دُولارًا في الشَّهر الواحِد.

أدَّى تَدَهْوُر دُخُول مُوَظَّفي القِطاع العامّ في سُوريا لانتِشار طُرْفة بين بَعض السُّوريّين تَقُول: “إنّ أكبر مُنظَّمة تَطوُّعيّة في العالَم أَجْمع هي القِطاع العامّ السُّوريّ” وهذه الطُّرْفة كِناية عن أنّ عَمَل مُوظَّفي القِطاع العامّ بات أَقْرَب للعَمَل التَّطوُّعيّ من العَمَل بأجْر، فالأجْر الشَّهريّ الحاليّ يَقِلّ عن أجْر يَوم في دُوَل أُخرَى.

يَحصُل المُتطوِّعُون أحيانًا على بَدَل عَينيّ أو مادّيّ بَسيط عِوضًا عن تَطوُّعهم، وفي بعض الحالات يَفُوق البَدَل المَمنُوح لَهُم الأجْر الشَّهريّ الَّذي يَتَقاضاه مُوَظَّف القِطاع العام في مُؤَسَّسات النِّظام، وهذا ما دَفَع السُّوريّين لإطلاق هذه الطُّرْفة، إلّا أنّ الوَضع في سُوريا لا يَقِف عند حُدُود هذه الطُّرْفة، فما هي الآثار العَميقة لتَدَهوُر الأُجُور؟

في ظِلّ هذا التَّدَهوُر الحادّ وغَير المَسبُوق في الأجْر لَم يَعُد المُوَظَّف قادِرًا على تَأمين احتياجاته الرَّئيسة، وهذا ما قَد يُشَجِّع بشَكْل أو بآخَر زيادة حِدّة الفَساد المَوجُود أساسًا، كما قَد يَقُود العامِلين لتَرْك وظائفهم وهذا ما دَفَع حُكُومة النِّظام لإصدار قَوانين تَمْنَع المُوَظَّفين من أخذ إجازات طَويلة إضافةً لوَضْع عَراقيل في طَريق سَفَر المُوَظَّفينَ.

سيُؤَدّي تَدَهْوُر الدُّخُول إلى تَذمُّر العامِلين من أداء واجِباتهم، ممّا سيُضعِف فاعِليّة مُؤَسَّسات القِطاع العامّ في سُوريا والَّتي تَعمَل أساسًا في الحَدّ الأدْنَى، الأمْر الَّذي سيَنعَكِس زيادة في سُوء الخِدْمات العامّة وقُصُورًا جَديدًا في مُؤسَّسات القِطاع العامّ والَّذي قَد يَصِل لإفلاس بَعضها.

تُدرِك حُكُومة النِّظام مِقدار الخَطَر الَّذي يُشكِّله تَدَنّي مُستوَى الأُجُور على تَماسُك مُؤَسَّسات القِطاع العامّ، لهذا تَقُوم كُل فَتْرة بِزيادة جَديدة على الأُجُور أو مَنْح مَبالِغ ماليّة إضافيّة على الرّاتِب، إلّا أنّ هذه الإضافات تُعتَبر زَهيدة للغاية ولا تُغيِّر في الواقِع شَيئًا لا سيَّما أنّ مُستوَى الأُجُور مُستَمِرّ في التَّدَهْوُر.

لا تَملِك حُكُومة النِّظام أيّ آليّات تُمَكِّنها من مُعالَجة هذه الظّاهِرة الخَطيرة، فالحَلّ يَحتاج إمّا لكَبْح تَدَهْوُر اللّيرة أو زيادة الأُجُور والرَّواتِب عِدّة أضعاف، والحَلّان خارِج إمكانيّات النِّظام على الأقَلّ في الوَقت الرّاهِن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: