الأبعاد السياسية لما يجري في جنوب سوريا والمعطيات السائدة في شمال غرب البلاد
١-ما إن اندلعت المواجهات بين ثوار درعا يوم أمس والميليشيات الإيرانية انتشرت سلسلة من السرديات التي تحاول تفسير ما يجري، بعضها قرأ أحداث درعا في سياق التوريط لإيران ومحافظة درعا، وبعضها تحدث عن ترتيب دولي لإنشاء إقليم مستقل في الجنوب السوري!
وانعقدت المقارنات بين جنوب وشمال سوريا
٢-لفهم ما يحدث حالياً لابد لنا نعود إلى اتفاق التسوية بين فصائل درعا وروسيا عام ٢٠١٨.
الاتفاق كان بتفاهم بين روسيا وإسرائيل وإدارة ترامب والأردن.
روسيا تعهدت خلاله بأن تضبط الميليشيات الإيرانية على حدود إسرائيل، وعدم تهجير المكون السني مقابل إدخال جنوب سوريا تحت نفوذها.
٣-لهذا السبب حصل مقاتلو درعا والفعاليات على هامش مناورة كبير، لأن روسيا إن هجرتهم أو ضغطت عليهم ستظهر أمام واشنطن وتل أبيب أنها نقضت التزاماتها وستسمح لميليشيات إيران بالتوسع في درعا.
لكن مالذي استجد؟
٤-تحول جنوب سوريا إلى خطر على المسار الروسي، خاصة بعد رفض الفعاليات الشعبية والمقاتلين لإجراء الانتخابات الرئاسية في أيار/مايو ٢٠٢١، ثم عادت أجواء المظاهرات إلى درعا في أجواء تشبه عام ٢٠١١، وعادت الشعارات السياسية لتُطرح في الشارع وهذا ينقض الرواية الروسية حول سيطرتها على الموقف.
٥-التغير في الإدارة الأمريكية ووصول “بايدن” للبيت الأبيض وتحريكه بعض الأوراق للضغط على روسيا يبدو أنه أخاف موسكو من تطور الأوضاع لعودة الدعم الأمريكي للجنوب السوري.
فكان لابد من التحرك بهدف خلق واقع ميداني جديد متناسب مع المصالح السياسية والأمنية الروسية.
٦-رحيل “نتنياهو” عن السلطة في إسرائيل ووصول حكومة جديدة أيضا من العوامل المؤثرة في توجهات روسيا لفرض واقع جديد في درعا.
“نتنياهو” ارتبط بتفاهمات واسعة مع روسيا حول سوريا خاصة ملف الجنوب، وسادت علاقة تفاهم بينه وبين “بوتين”، ومع رحيله يبدو أن “بوتين” غير واثق من استمرار التفاهمات.
٧-روسيا هي من تدير التحركات في درعا ولكن من الخلف.
فاوضت على تفاهم جديد يتضمن بشكل أساسي سحب السلاح لقطع الطريق على أي دولة تفكر في دعم المقاتلين في الجنوب مجدداً، وعند تعثر المفاوضات دفعت بالميليشيات الإيرانية للتوغل البري وبدون غطاء الطيران.
٨- روسيا ومن خلال إفساح المجال لميليشيات إيران بالتحرك، تسعى للضغط على سكان درعا للقبول بالتسوية الجديدة، وتحاول إقلاق الأردن وإسرائيل من تمدد ميليشيات إيران، وبالتالي دفعهما للضغط على المقاتلين المحليين للتفاهم مع روسيا.
الرسالة الروسية للجميع: إما التفاهم أو عصا إيران.
٩-لكن تتجنب روسيا إشراك سلاح الطيران في المعارك،لأنها تحاول تجنب إغضاب الأردن وخلق أزمة إنسانية على حدوده، خاصة بعد تحركات الملك الأردني لتعويم النظام السوري على الساحة العربية.
وكذلك لا ترغب روسيا بإستفزاز إسرائيل وتهديد المصالح المشتركة في سوريا،خاصة العمل معاً في البحر المتوسط
١٠-خلاصة أحداث درعا:
ما يجري ليس مؤامرة وإنما حراك روسي بهدف تعزيز المكاسب، والمقاتلين الذين كانوا سابقاً ضمن الجيش الحر تعرضوا لضربة قوية عام ٢٠١٨ بوقف الدعم الدولي عنهم، واضطروا للمناورة والاستفادة من الهوامش المتاحة لمنع دخول ميليشيات النظام وإيران للمدن والقرى في درعا.
١١-في شمال غرب سوريا المعطيات السياسية التي فرضت الواقع الحالي مختلفة تماماً.
فالأطراف الدولية المؤثرة بشكل مباشر هي: تركيا وروسيا وإيران.
وأصبح الواقع الميداني تبعاً للتفاهمات التي يتم إبرامها بين الدول الثلاثة، وفي كثير من الأحيان مرتبط بالاتفاقات التركية – الروسية فقط
١٢-فرغم كل التنسيق المشترك بين روسيا وتركيا، لكن الطرفان بينهما صراعات وتناقضات كبيرة ممتدة من دول القوقاز إلى شمال إفريقيا وصولاً إلى سوريا.
في حين أن المصالح والقواسم المشتركة أوسع بين روسيا وإسرائيل، أبرزها الاتفاق على بقاء الأسد!
لذلك الحفاظ على الهدوء في إدلب يبقى صعباً
١٣-كما أن مختلف الأطراف الدولية تميل إلى روسيا ضد تركيا بحكم التنافس الإقليمي، وهذا ما يجعل تركيا تحت الضغط في إدلب.
ومن المهم الانتباه إلى أن تركيا ذهبت بعيداً في تحدي المصالح الروسية ونشرت جيشها في إدلب لوقف تقدم النطام البري، وهذا سبب مهم للتوتر الروسي المستمر.
١٤-لهذا فإن أي تحرك عسكري شمال غرب سوريا سيكون ذريعة للروس للتصعيد أكثر ضد المنطقة وضد تركيا، خاصة في ناحية قصف المدنيين ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وستستغل روسيا الصمت الدولي وغياب التأييد المؤثر للدور التركي في إدلب، بل إن بعض الدول قد تستثمر في تصعيدروسيا لتهديدالمصالح التركية!
١٥-هذا الواقع أفقد الفصائل العسكرية في شمال غرب إدلب هامش المناورة، خاصة في ظل غياب الدعم الدولي الذي أثر على الفاعلية العسكرية.
لكن القول بأنه لا يوجد مكاسب أبدا كلام غير دقيق، فالمنطقة بقيت تحت سيطرة الفصائل المناهضة للنظام السوري والسكان المقيمين فيها يمتلكون حرية سياسية كاملة
١٦-كما أن حجم القصف والضحايا والدمار انخفض إلى أدنى حالاته، وفي أوقات كثيرة ينعدم بشكل كامل.
وهذا يبدو إجراء مهم لخفض المعاناة الإنسانية في ظل غياب الرغبة الدولية لإيجاد حل شامل ووقف الهجمات الروسية.
١٧-في ظل هذا الواقع المعقد الذي يكتنف الملف السوري – وهو واقع قديم وليس جديد- يبقى الحل المتاح هو استفادة كل منطقة من الهوامش المتاحة والبناء عليها لتحقيق أعلى قدر ممكن من المكاسب.
لكن تبقى المشكلة الأساسية هي غياب التنسيق لتصب المكاسب في المحصلة ضمن سلة سورية مشتركة.
١٨-بقيت الأجابة على تساؤل واحد: ماهو حدود ما يجري في درعا الآن؟
أعتقد أنه سيساهم في تحسين شروط التفاوض بالنسبة لسكان درعا للحصول على اتفاق ظروفه أفضل، لكن سيبقى الملف تحت الإدارة الروسية، وستسمر لاحقاً المحاولات الروسية لصياغة واقع جنوب سوريا وفق مصالح موسكو.
المصدر: مدونة الباحث على تويتر