إصلاحات الائتلاف… الدوافع والنتائج
حددت أهداف القرارت الإصلاحية التي أعلنها الائتلاف حول عدة نقاط رئيسية كما جاء على لسان رئيس الائتلاف الوطني سالم المسلط في أكثر من مناسبة، وكما أعلن الائتلاف نفسه، وهي:
أولاً الإصلاح التمثيلي:
بحيث يصبح الائتلاف الوطني أكثر فاعليةً، وذلك بعد فترات طويلة من توجيه الانتقادات والاتهامات إلى الائتلاف بالأداء السياسي الباهت، والركود الملحوظ للائتلاف وأعضاءه لفترات طويلة، ويجري في هذا السياق وضع آلية لتمثيل النقابات والتيارات السياسية الفاعلة في المناطق المحررة، وإعادة توزيع المجالس المحلية في الائتلاف بحيث تشمل مجالس المحافظات المنتخبة حديثاً في المناطق المحررة بما فيها المجالس التي شكلها المهجرون من مناطق سيطرة النظام، والمجالس المحلية العاملة فعلياً، والعمل على إدخال ممثلين عن الجاليات السورية في بلاد اللجوء والمهجر، وغيرها.
ثانياً الإصلاح المتعلق بعضوية الائتلاف ومكوناته:
إلغاء عضوية بعض الأعضاء من غير الفاعلين سياسياً وإعلامياً، والمتغيبين منذ فترة طويلة عن الاجتماعات الدورية للائتلاف الوطني السوري، وإنهاء عضوية المكونات التي لم يعد لها وجود فعلي ونشاط على أرض الواقع، ويدخل ضمن هذا الإطار إلغاء تمثيل العديد من المجالس المحلية لمدن وبلدات وقعت قبل سنوات في يد النظام السوري والتي توقفت عن العمل، واستبدالها بمجالس المحافظات المنتخبة من المهجرين من مناطق النظام.
ثالثاً إصلاح النظام الداخلي:
والذي ركز على استكمال وإتمام إصلاح بعض البنود والمواد في النظام الداخلي، والتي كانت تسبب إعاقة آلية العمل واتخاذ القرار، كما تتسبب بالعطالة وصعوبة التطوير والتغيير بما يتناسب مع التغيرات الظرفية والمرحلية.
بعد الإعلان عن هذه الإصلاحات مباشرة تعالت الأصوات المعارضة والمعترضة من عدة أطراف وجهت انتقادات مختلفة وتهماً متعددة للائتلاف الوطني وقيادته، كما شككت بهذه العملية الإصلاحية وقرارتها وطعنت بمصداقية ما صدر من بيانات للائتلاف الوطني وما صرح به رئيسه المسلط، وتتمحور تلك الاعتراضات والطعون حول عدة نقاط وأهمها:
1. أن هذه الإجراءات والقرارت إنما هي انقلاب داخلي لصالح فئة معينة يترأسها المسلط، وضمن عملية تهدف لإعادة توزيع القوى وتعزيز سيطرة مجموعة ” الجي فور “، وإنتاج ائتلاف أكثر انسجاماً مع التوجه الخاص لهذه الفئة وأكثر طواعية لها، فتطيح بمجموعة من معارضيها، وبالتالي يصبح الائتلاف ملكاً خاصاً لمجموعة مستبدة تتحكم في قراره الداخلي وعلاقاته الخارجية.
2. أن القرارات استهدفت الإطاحة بمجموعة من المعارضين والمعترضين على مسار آستانة واللجنة الدستورية، ولكي يبقى الائتلاف الوطني سائراً في المسار التفاوضي والسياسي الحالي ولكي يصبح أكثر توافقاً وتماشياً معه، كان لا بد من إقصاء الرافضين لهذا المسار.
3. أن القرارت جاءت بتوجيه خارجي محض من الدولة الأولى الراعية للائتلاف الوطني والمستضيفة له وهي الدولة التركية، ويقوم هذا القول على أنه لما كان الائتلاف الوطني السوري قد أسس بناء على رغبة دولية، كان لا بد أن تظل الدول الداعمة أو الفاعلة في الشأن السوري ذات تأثير كبير على سياسات الائتلاف الوطني الداخلية والخارجية، ولا يمكن فصل أي قرار يتخذه الائتلاف الوطني – بما فيها هذا القرار – عن إرادة هذا البلد أو ذاك، وبعد استطالة الأزمة السورية تغيرت مواقف العديد من دول (مجموعة أصدقاء الشعب السوري) من الثورة السورية، وابتعدت عن الاهتمام بالمسألة السورية، وبالتالي ابتعدت عن التدخل والتعامل مع الائتلاف نفسه، وظلت تركيا الدولة الأكثر تدخلاً بحكم الضرورة في القضية السورية، وتحول الائتلاف منذ ذلك الحين إلى ما يشبه المؤسسة التركية الخالصة بواجهة سورية شكلية فقط.
ولذلك فبالتوازي مع الانفتاح التركي على الإمارات والسعودية وتحسن العلاقات التركية المصرية، أجريت التغييرات الأخيرة في الائتلاف بإيعاز تركي كإشارة حسن نية للدول المذكورة بإبعاد بعض الكتل السياسية ومنها المحسوبة على الإخوان المسلمين.
4. أن المعايير التي طبقت في إلغاء عضوية الأعضاء الأربعة عشر واستبدال أربعة أعضاء آخرين وإخراج أربعة مكونات، لم تطبق على باقي الأعضاء والمكونات، حيث حدثت ازدواجية معايير في الإصلاح المعلن، في إشارة واضحة لتوجه مسبق لدى القائمين على الائتلاف الوطني لاستهداف أشخاص وكتل بعينها دون الآخرين، مما يشكك في نزاهة العملية الإصلاحية ومصداقيتها.
5. الإشارة دوماً إلى أنه إذا كان هناك من إصلاح حقيقي فلا بد أن يشمل الذراع التنفيذي للائتلاف الوطني وهو الحكومة السورية المؤقتة، فيبدأ بإقالة رئيس الحكومة المنتهية ولايته عبدالرحمن مصطفى، والذي تواجد دائماً إلى جانب المسلط في الإعلان عن الإصلاحات والقرارت الأخيرة.
إذا أردنا تقييم ما حدث ومعرفة هل هذه العملية كانت تستهدف إجراء إصلاح حقيقي لمؤسسة الائتلاف من ناحية التمثيل والهيكلة الداخلية أم لا، فلا بد من استعراض الجوانب الثلاثة التي شملتها العملية الإصلاحية، وقياس مدى صحة أو حجية الدعاوي المعارضة لها، فبالنسبة للجانب التمثيلي:
تم استبعاد ممثلين لأربع مجالس محلية كانت قد وصلت بهم كتب استبدال من هيئاتهم في الداخل، وقد وصلت مسارات لمعلومات تؤكد وصول أربع كتب استبدال بممثلي مجالس (إدلب – دير الزور – الرقة – حلب)، وكان الائتلاف قد تأخر في تنفيذ طلبات استبدالهم التي تركت قيد الحفظ، والآن يتم النظر في ترشيح واختيار بدلاء لتمثيل هذه المجالس، هذا بالإضافة إلى إلغاء تمثيل بعض المجالس المحلية التي أصبحت مناطقها تحت سيطرة النظام السوري، واستبدالها بثمان مجالس محافظات مكانها، وأيضاً قام الائتلاف الوطني بتعزيز تمثيل المناطق المحررة باعتبارها اتمثل الثقل البشري الثوري للشعب السوري والمنطقة الجغرافية التي تخضع فعلياً لإرادة الثورة ومؤسساتها وعلى رأسها الائتلاف الوطني والحكومة السورية المؤقتة، وذلك بإضافة ستة مجالس محلية تمثل الشمال السوري وهي: ( مجلس محلي إعزاز والباب وعفرين وجرابلس ورأس العين وتل أبيض).
كما ثبت أن بعض الأعضاء الذين تم استبعادهم كانوا بالفعل قد تغيبوا لفترات طويلة عن الاجتماعات الدورية للهيئة العامة للائتلاف الوطني، وبعضهم الآخر خرج ضمن الكتل المستبعدة التي لم يعد لها تمثيل حقيقي في الداخل السوري وفاعلية على الأرض ككتلة ” الحراك الثوري “، كما شدد وأكد على ذلك رئيس الائتلاف عدة مرات.
وبالنظر إلى هذه الإجراءات فلا يمكن اعتبارها إلا إصلاحاً مطلوباً وضرورياً من ناحية التمثيل داخل الائتلاف، لأن رفضها يعني الرضا بالعكس، والسؤال المطروح هنا: هل كان يجب إبقاء الممثلين عن المجالس المحلية والذين وصلت كتب ومطالبات من الداخل باستبدالهم ؟ وهل بقاء الأعضاء الغير فاعلين في الائتلاف صحيح ويلبي المطالب الإصلاحية التي طالما وجهت للائتلاف من قبل الشعب السوري والمعارضة على اختلاف توجهاتها وانتماءاتها !؟ أليست إضافة ممثلين للمجالس المحلية في الشمال السوري تجعل التمثيل داخل الائتلاف لقوى الثورة أكثر صوابية وفاعلية !؟ هذه أسئلة تطرح نفسها بقوة.
أما عن قانونية ومشروعية هذه الإجراءات فهو متوقف على مدى توافقها مع بنود النظام الداخلي، وكان الائتلاف الوطني قد حقق شرط موافقة الأغلبية المطلقة في التصويت على إلغاء عضوية 14 عضو، حيث صوت 53 عضواً لصالح القرار من إجمالي أعضاء الائتلاف البالغ عددهم 83 عضو، وهو ما يعادل نسبة 64% من أعضاء الائتلاف. وتم الموافقة أيضاً على استبدال أربعة ممثلين لمجالس محلية بموجب بند النظام الادخلي الذي ينص على: ” حق أي مكون بطلب استبدال أي من ممثليه في الائتلاف بموجب خطاب رسمي موجه الى قيادة الائتلاف “، وبذلك انخفض عدد أعضاء الهيئة العامة للائتلاف إلى 69 عضو، صوتوا فيما بعد على النظام الداخلي الجديد في تاريخ 7 نيسان 2022 لصالح إقرار النظام الداخلي الجديد لأغلبية 60 عضو من أصل 68 – بعد استقالة عضو قبل يوم من التصويت -، بما نسبته 88% من إجمالي الأعضاء، فتم الأمر بطريقة توافق مع النظام الداخلي الذي يشترط تخطي عتبة موافقة ثلثي الأعضاء على النظام الجديد.
وبالنسبة للإطاحة بمعارضي مسار آستانة واللجنة الدستورية، فهذا الطرح منقوض بحكم الوصول إلى معلومات تؤكد أن تصويتاً حدث داخل الائتلاف الوطني وبين أعضائه حدث قبيل الذهاب إلى الآستانة، وقد صوت الجميع لصالح الذهاب (بما فيهم الأعضاء المستبعدين)، وأن القرارات الأخيرة لن تؤثر على سير العملية السياسية وعلى تمثيل الائتلاف في مسار آستانة أو اللجنة الدستورية، بحكم أن أعضاء اللجنة الدستورية وممثلي الائتلاف لم يتغيروا أصلاً، وبالتالي لم يكن للأعضاء المستبعدين أن يؤثروا على المسار السياسي.
يبقى التأثير التركي على قرارات الائتلاف الوطني السوري موضع شبهة، فرغم تأكيد المسلط المتكرر على عدم وجود أي تدخل لأي دولة في الشأن الداخلي للائتلاف، وعدم وجود أي دور للــ ” إخوة الأتراك ” أو استلام أي توجيهات منهم بشأن القرارات الأخيرة، وأن عملية الإصلاح إنما جاءت بناء على مطالب الشعب السوري في الداخل المحرر، حيث صرح قائلاً: ” قرار الإصلاح قرار داخلي، والإصلاح ليس فكرة الأمس ولا ينتهي اليوم، فالإصلاح مازال مستمراً، هذه المؤسسة لها عشر سنوات، وهي ككل مؤسسة لا تخلو من الأخطاء “، واستدل على ذلك ببيانات التأييد التي صدرت عن المجالس المحلية والفصائل العسكرية التابعة للجيش الوطني في الداخل السوري. لكن يبقى القول بعدم وجود أي تاثير تركي موضع شك لانعدام الدليل على ذلك، حيث لم يصدر عن الائتلاف إلى الآن موقف أو تصريح يبرهن على عدم التوافق التام مع التوجهات السياسية التركية بما يخص الشأن السوري.
الخاتمة والنتائج والتوصيات
تختلف التقييمات والتقديرات لما حصل في الائتلاف مؤخراً، ولكن يبقى الجانب الإصلاحي الذي تحقق واضحاً، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة تمثيل المكونات الفاعلة في المحرر داخل جسم الائتلاف السياسي، وبالتالي اكتساب الائتلاف لدور تمثيلي حقيقي وفعلي أكبر، وأيضاً في قانونية الإجراءات والقرارات التي اتخذتها الهيئة العامة وصوتت عليها، حيث توافقت مع بنود النظام الداخلي المقررة لتنفيذ مثل هذه القرارات.
ومن جهة أخرى، يجب اعتماد آليات واضحة لقبول العضوية والمرشحين الجدد، وليس فقط لإلغاء العضوية في النظام الداخلي، وإكمال عملية الإصلاح لكي لا تستثني أحداً، حتى يصبح إصلاحاً شاملاً وكاملاً ولا يبقى كإصلاح جزئي ونسبي كما حدث في المحاولات السابقة.
للاطلاع على التقرير كاملاً
إصلاحات الائتلاف… الدوافع والنتائج