في ذكرى الثورة
في مثل هذه الأيام قبل إحدى عشرٍ مضت كسرنا القيود وحطمنا أسوار العبودية وصعدنا مرتقاً لطالما تهيبناه حتى إذا ما وصلنا أعلاه كأننا وطئنا الثريا عزاً وشرفاً وكرامةً.
أسقطنا عصابة الإجرام منذ الصرخة الأولى وصنعنا التغيير فما قبل آذار 2011 ليس كما بعده، والزمان دار دورته وبركان الثورة غيّر معالم الحياة السورية إلى غير رجعة فما عاد لما بقي من نظام الهزيمة هيبة ولا شوكة بعد أن داسها الثائرون بأقدامهم.
إنها أعظم وأشرف وأنظف وأطهر ثورة عرفها التاريخ، طهرها من طهر دماء أكثر من مليون شهيد رسمت دماؤهم درب الحرية وأنارته حتى غدا مشرقاً رغم التزوير والتضليل.
سقط النظام لكننا لم ننجح في أن نقيم صرح دولة الحرية والكرامة، ليس بسبب القادة فأكثر من نصف قادة الثورة شهداء، وليس بسبب المعارضة فما زالت ثابتة على مبادئ الثورة وتنادي بإسقاط النظام بكل أركانه، وليس بسبب من سولت له نفسه فأخطأ هنا أو هناك.
لم ننجح بسبب التآمر الدولي والدعم الروسي والإيراني للنظام بأوامر غربية، لم ننجح لأننا لم نعرف الحياة السياسية وانتهجنا الفردية التي لازمتنا قبل عقود بفعل المنظومة الدكتاتورية التي جثمت على صدورنا وفرقتنا ليسهل عليها التحكم بنا، لم ننجح لأننا لم نلتف خلف قيادة سياسية وعسكرية ولم نبقي لنا مرجعية لا شرعية ولا مجتمعية وأسقطنا كل الرموز والأبطال في حياتهم لنلتفت إليهم وهم أموات، لم ننجح لأننا انجرفنا خلف الشائعات التي قتلت حماة الثورة وأبنائها البررة وأعلت من شأن الغرباء ومجهولي الحال حتى إذا ما تمكنوا بفعل بساطتنا التهموا فصائلنا كما تلتهم النار الحطب اليابس.
لكننا سننجح وسنبني صروح المجد من جديد بتجديد العهد والمضي قدماً يداً بيد، نبني ولا نهدم، نقوّم ولا نكسر، ونأخذ على يد المنحرف حتى نعيده إلى الجادة ولا نرمي به إلى قعر البئر، فالثورة رحم بين أبنائها، تجمع من افترق عنها كالأب الرؤوف أو الأم الرءوم.
حان الوقت لكي نعطي كل ذي حق حقه فنعرف لكبيرنا ولمن ضحى فينا حقه ونقذف من بيننا الخبث لنطهر الصفوف، حان الوقت لكي تسري روح الجماعة التي يجمعها الهدف لتعمل بنظام وانتظام وفق استراتيجية بناء متكاملة يوضع فيها الرجل المناسب في المكان المناسب ويستفاد فيها من كل الإمكانات، إنه وقت التكاتف والتكافل والتكامل حتى نعيد للثورة ألقها وينتهي كابوس الظلم والذل والعبودية إلى غير رجعة، فالوقت لم يفت والشعلة لا تزال ملتهبة ودم الشهداء فيه من الحرارة ما يُحيي ما مات من إرادة الحياة والتغيير وأرواح الراحلين من الثائرين تحوم فوق كل مكان يحتضن أبناء سوريا البررة تطل من علٍ وترقب ما نصنع، تستنهض الهمم وتلوذ بهمة الثابتين المصابرين.