سوريا في مرمى النيران: تداعيات التصعيد الإسرائيلي في جنوب لبنان على المشهد السوري
تحليل خاص لمركز مسارات للتفكير الاستراتيجي
بينما تتجه الأنظار نحو جنوب لبنان بسبب العملية الإسرائيلية “أسهم الشمال”، يبرز التساؤل حول تأثير هذه التطورات على المشهد السوري المعقد. تاريخيًا، كان للصراع بين حزب الله وإسرائيل انعكاسات عميقة على سوريا، نظراً للارتباط الاستراتيجي والجغرافي بين الجانبين. اليوم، وفي ظل احتدام النزاع مجددًا، من المتوقع أن تتجاوز تداعيات هذه العملية حدود لبنان لتطال سوريا بشكل مباشر وغير مباشر.
تداعيات على مستوى التحالفات الإقليمية
تتمتع سوريا بتحالف وثيق مع حزب الله، وهو جزء أساسي من المحور الإقليمي الذي يضم أيضًا إيران. من هذا المنطلق، فإن أي إضعاف لقوة حزب الله، سواء عبر العمليات البرية أو القصف الجوي الإسرائيلي، يُضعف تلقائيًا النفوذ السوري في المنطقة. قد يؤدي هذا إلى تراجع قدرة سوريا على حماية مصالحها، لا سيما في المناطق الحدودية مع لبنان، التي كانت بمثابة خطوط دفاع متقدمة لنظام الأسد.
التأثير على القدرات العسكرية السورية
تزامنت العملية العسكرية الإسرائيلية مع استهدافات جوية متكررة للبنية التحتية العسكرية في سوريا، وخاصة تلك المتعلقة بمنظومات القيادة والسيطرة التابعة لحزب الله والميليشيات المرتبطة به. مثل هذه الضربات لا تُعيق القدرات القتالية للحزب فحسب، بل تؤثر أيضًا على التنسيق العملياتي بين دمشق وبيروت، مما يجعل من الصعب على الجيش السوري وحلفائه التعامل مع التصعيد المستمر.
التوترات في الجبهة الجنوبية السورية
مع تقدم القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان، قد تتجه الأنظار نحو الجبهة الجنوبية السورية كمنطقة محتملة للتصعيد. تاريخياً، كان لهذه الجبهة دور استراتيجي في أي تصعيد بين إسرائيل وحزب الله، حيث يمكن استخدام الأراضي السورية لشن هجمات على إسرائيل. في حال قررت دمشق أو طهران الرد من خلال هذه الجبهة، فإن ذلك سيخلق جبهة قتال جديدة، ويعيد فتح ملف منطقة الجولان المحتلة، مما سيزيد من تعقيد الوضع.
انعكاسات على الوضع الداخلي في سوريا
إن أي توسع للصراع قد يؤثر سلبًا على الوضع الداخلي السوري الهش بالفعل. فمع تعرض البنية التحتية العسكرية لضربات متتالية، يزداد الضغط على نظام الأسد لإعادة بناء قدراته، مما يعني توجيه موارد إضافية لقطاع الدفاع على حساب القطاعات المدنية، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية وإنسانية خانقة. هذا الوضع سيؤدي إلى مزيد من الاستياء الشعبي، ويعزز من حالة عدم الاستقرار الداخلي.
سيناريوهات مستقبلية: إلى أين يتجه التصعيد؟
في ظل التعقيد الحالي، يمكن تصور عدة سيناريوهات لتأثيرات عملية “أسهم الشمال” على سوريا:
استمرار التصعيد الإسرائيلي في الجبهتين اللبنانية والسورية: إذا استمرت إسرائيل في استهداف مواقع حزب الله في جنوب لبنان، مع توسيع نطاق الهجمات لتشمل العمق السوري، فسيؤدي ذلك إلى مزيد من إضعاف نفوذ الحزب ونظام الأسد.
تصعيد محدود على الجبهة السورية: في حال قررت دمشق الرد على العملية عبر إطلاق هجمات محدودة من جبهتها الجنوبية، فقد يؤدي ذلك إلى فتح جبهة جديدة، مع مخاطر اندلاع مواجهة شاملة.
تهدئة مؤقتة مع استمرار الضغط العسكري: قد تلجأ إسرائيل إلى تهدئة الوضع في جنوب لبنان، مع الإبقاء على الضغط العسكري على المواقع السورية، بهدف تقليص النفوذ الإيراني وإضعاف حزب الله بشكل غير مباشر.
الخلاصة
إن العملية الإسرائيلية في جنوب لبنان ليست مجرد خطوة تكتيكية بل جزء من معركة أوسع لإعادة تشكيل التوازنات الإقليمية، مع تداعيات مباشرة على سوريا. وفي ظل غياب ردود فعل حازمة من دمشق، يبقى النظام السوري أمام خيارات صعبة بين الرد والتصعيد أو الاستمرار في سياسة التحفظ. ومع كل يوم يمر، تتعقد خيارات دمشق أكثر، ويزداد التحدي أمام نظام الأسد وحلفائه في الحفاظ على مصالحهم في منطقة تزداد اشتعالاً.