الدراسات والبحوثتقدير موقف

توجه الإدارة السورية الجديدة تجاه الحركات الفلسطينية في الأراضي السورية

دمشق – مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي

أولاً: خلفية المشهد

شهدت العلاقات بين الدولة السورية والحركات الفلسطينية المسلحة، خصوصًا “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، مراحل متقلبة اتسمت بالتعاون الاستراتيجي أحيانًا والتوتر في أحيان أخرى، وفقًا لظروف إقليمية وتحالفات متغيرة. لعبت دمشق، في العقود الماضية، دورًا محوريًا في استضافة وتسهيل عمل عدد من فصائل المقاومة الفلسطينية، مستفيدة من علاقتها مع طهران، ودورها ضمن محور الممانعة في المنطقة.

مع التحول السياسي في دمشق، وبعد إسقاط نظام البعث وإعلان حكومة جديدة في سوريا، برزت ملامح سياسة خارجية مغايرة، تسعى لإعادة تموضع سوريا إقليميًا ودوليًا، مع تأكيد واضح على رغبة القيادة الجديدة بإعادة تشكيل علاقاتها مع الفاعلين الإقليميين والدوليين بما يخدم مسار رفع العقوبات وإعادة الإعمار.

ثانيًا: مؤشرات التحول

تشير جملة من المؤشرات الحديثة إلى تغير جذري في العلاقة بين دمشق وبعض الفصائل الفلسطينية المسلحة، لا سيما تلك المرتبطة بالمحور الإيراني:

  1. إجراءات أمنية بحق قيادات فلسطينية:

    • اعتقال قياديين بارزين في حركة الجهاد الإسلامي، وهما خالد خالد وياسر الزفري، من قبل السلطات السورية دون إعلان رسمي عن أسباب التوقيف، يشير إلى بداية تعامل جديد قد يتسم بالصرامة والانفصال عن سياقات الحماية السابقة.

  2. فك الارتباط مع إيران:

    • إعلان دمشق عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، يشكّل تحوّلاً مفصلياً في خارطة تحالفاتها، ويأتي على خلفية سعي القيادة الجديدة للانفتاح على أطراف عربية وغربية، من ضمنها الولايات المتحدة التي ورد أنها اشترطت إبعاد الجماعات الفلسطينية المرتبطة بإيران مقابل تخفيف جزئي للعقوبات.

  3. انكماش الحاضنة العسكرية الفلسطينية:

    • بالرغم من أن فصائل مثل حماس والجهاد الإسلامي كان لها دور فاعل في الداخل السوري خلال السنوات الماضية (عبر معسكرات تدريب أو تداخل في المشهد الثوري كما في تجربة “أكناف بيت المقدس”)، إلا أن البيئة الجديدة لم تعد ملائمة لاستمرار تلك الأنشطة، لا سيما في ظل تغير أولويات الدولة السورية وتطلعاتها نحو ضبط المجال الأمني الداخلي وإعادة الاعتبار لسيادة المؤسسات الرسمية.

ثالثًا: دوافع التحول

يمكن تلخيص أبرز دوافع هذا التوجه في الآتي:

  • رغبة في إنهاء حالة التداخل الأمني والسياسي داخل الأراضي السورية، حيث أصبحت بعض الفصائل تشكّل عبئًا أمنيًا في ظل استهدافات إسرائيلية متكررة.

  • الانفتاح على المحيط العربي، وهو ما يتطلب إعادة ضبط التموضع السوري بعيدًا عن الاصطفافات الإيرانية التقليدية.

  • محاولة إرسال إشارات إيجابية للغرب، ولا سيما واشنطن، في إطار مفاوضات غير معلنة تهدف إلى تخفيف القيود الدولية على النظام.

رابعًا: السيناريوهات المستقبلية

  1. الإبعاد التدريجي للفصائل المسلحة المرتبطة بإيران: من المتوقع أن تواصل دمشق سياسة “التحييد الناعم” لهذه الفصائل عبر إجراءات قانونية وأمنية، دون الوصول إلى صدام مباشر، خاصة مع الجماعات التي ما زالت تملك قواعد شعبية أو امتدادات لبنانية أو إقليمية.

  2. الحفاظ على خطوط تواصل محدودة: قد تسعى دمشق إلى الإبقاء على تواصل محدود وغير معلن مع بعض الفصائل الفلسطينية لضمان استمرار النفوذ الرمزي في القضية الفلسطينية دون التورط في ملفات أمنية أو عسكرية.

  3. تقديم نفسها كوسيط محايد: تسعى القيادة الجديدة لتسويق صورة سوريا كدولة مستقرة ومحايدة، قادرة على لعب دور في ملف التسوية الفلسطينية، مستفيدة من تراجع أدوار أطراف إقليمية تقليدية.

خامسًا: التوصيات

  • رصد مستمر لتطور العلاقة بين دمشق والفصائل الفلسطينية، خاصة في ظل التغيرات الإقليمية المتسارعة.

  • التمييز بين البُعد الأمني والبُعد السياسي في تعامل سوريا مع هذه الفصائل، لتجنب تفسيرات خاطئة لطبيعة هذه التحولات.

  • تحليل أثر هذا التحول على المشهد الفلسطيني الداخلي، خصوصًا مع احتمالية تضييق مساحة التحرك الإقليمي لبعض الفصائل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى