الدراسات والبحوثتقارير

النفط والبحر والأمن: هل تصبح السنغال ساحة صراع جديدة بين روسيا وفرنسا؟

منذ انتخاب الرئيس باسيرو ديوماي فايي في السنغال، تسعى روسيا إلى توسيع نطاق نفوذها العسكري والاقتصادي في هذا البلد، كجزء من استراتيجيتها لتعزيز وجودها في غرب إفريقيا. تعد السنغال بموقعها الاستراتيجي وموانئها المطلّة على خليج غينيا، بوابةً رئيسية للتجارة الدولية، مما يجعلها هدفًا لاهتمام روسي متزايد. يسلط تقرير مركز مسارات للتفكير الاستراتيجي الضوء على تفاصيل هذا السعي الروسي، وأبرز الخطوات التي تتخذها موسكو لبناء شبكة نفوذٍ وتأثيرٍ متزايد في داكار، تحت رقابة فرنسية دقيقة.

وثيقة دفاعية سرية: مقترح عسكري روسي على طاولة داكار

على مكتب وزير القوات المسلحة السنغالي بيرامي ديوب، تقبع وثيقة مختومة بختم النسر الروسي، تحتوي على مذكرة تفاهم حول التعاون العسكري بين روسيا والسنغال. تحمل الوثيقة، ذات الرقم 3098-R، مقترحات تتضمن تدريبات بحرية مشتركة، والسماح للسفن الحربية الروسية بالرسو في موانئ السنغال، بالإضافة إلى دعم موسكو لداكار في مجال مكافحة القرصنة والأمن السيبراني. ويأتي هذا التحرك العسكري في إطار رغبة روسيا في تخفيض اعتمادها على الطرق الجوية لنقل المعدات العسكرية، واستغلال الموانئ السنغالية لتسهيل عملياتها في منطقة الساحل.

موسكو تقدم إغراءات اقتصادية في مجال الهيدروكربونات

تسعى روسيا أيضًا إلى توسيع نفوذها الاقتصادي في السنغال، خاصة في قطاع الهيدروكربونات. فقد أبدت شركة لوك أويل الروسية اهتمامها باستثمار في حقل “ياكار تيرانجا” النفطي، بعد انسحاب شركة بي بي البريطانية، وتبحث موسكو عن شراكات جديدة لتوسيع عملياتها في هذا القطاع. كما أن السنغال، التي أصبحت حديثًا دولة منتجة للنفط، تجذب اهتمام الروس بوصفها سوقًا واعدة، وذلك في ظل محاولات موسكو للتوغل في قطاعات أخرى كالاتصالات والتكنولوجيا.

النفوذ الروسي وفرنسا: توترٌ وخلافات في ظل الصراع على غرب إفريقيا

يأتي الانخراط الروسي في السنغال في وقتٍ تشهد فيه العلاقات السنغالية الفرنسية توتراً ملحوظاً. وقد انتقد رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو مراراً الوجود العسكري الفرنسي، فيما تنظر حكومة داكار في إعادة التفاوض على اتفاقياتها العسكرية مع فرنسا. وترى روسيا في هذه الخلافات فرصة لبناء علاقات عسكرية واقتصادية أقوى مع السنغال، مما يجعل من هذه الأخيرة ورقة ضغطٍ في يد موسكو، تستطيع من خلالها إحداث تغيير في ميزان القوى التقليدي في المنطقة.

رؤية فرنسية ومخاوف من النفوذ الروسي المتزايد

تحرص فرنسا على متابعة التحركات الروسية في السنغال عن كثب، حيث تتهم باريس موسكو بإدارة عمليات تضليل إعلامي ودعم جماعات مناهضة للوجود الفرنسي في الساحل. وتعد جماعة “جبهة سحب القواعد العسكرية الفرنسية” التي تأسست في داكار، إحدى أبرز الجهات التي تراقبها باريس بحذر، خاصة بعد أن أُشيع عن دعم روسي غير مباشر لنشاطاتها.

التحديات والفرص أمام استراتيجية روسيا في السنغال

رغم سعي موسكو الحثيث، تواجه روسيا تحديات في إقناع السلطات السنغالية بإبرام اتفاقيات طويلة الأمد، نظراً لعلاقات داكار القوية مع الشركاء الغربيين والاتحاد الأوروبي. في المقابل، تقدم روسيا نفسها كحليف جديد يعرض دعماً غير مشروط، ويروّج لعلاقاتٍ اقتصادية وعسكرية أوسع تشمل استثمارات روسية في البنية التحتية وخدمات الإنترنت الحكومية.

بهذه التحركات، تتجسد محاولات روسيا في بناء نفوذ طويل الأمد في السنغال، الذي قد يغير موازين القوى في غرب إفريقيا، ويزيد من تعقيد المشهد الجيوسياسي في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى