شعار الدين لله والوطن للجميع بين القبول والرفض مقاربة شرعية سياسية
نظَم مركز مسارات ندوة حوارية بعنوان “شعار الدين لله والوطن للجميع بين القبول والرفض مقاربة شرعية سياسية” والتي استضافت الأستاذ زهير سالم (مدير مركز الشرق العربي) والقيادي الأسبق بالإخوان المسلمون، وشارك باللقاء الكاتب والباحث حسام الدين درويش تخصص “الهيرمينوطيقا ومناهج البحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية.
محاضر زائر في قسم الدراسات الشرقية بكلية الفلسفة بجامعة كولونيا في ألمانيا وكذلك شارك عدد من النشطاء والأكاديميين.
“الدين لله والوطن للجميع”
العبارة التي شرحها البعض على أنها المواطنة والعقد الاجتماعي الذي تقوم عليه الدولة المدنية، التي تعطي جميع أبنائها نفس الحقوق والواجبات دون تمييز على أساس الطائفة أو العرق أو الدين، والتي تضمن في نفس الوقت حياد السلطة عن التدخل في عقائد الناس، فلا تفرض نمطا معينا من التدين عليهم، لأن الدين في جوهره يمثل علاقة الإنسان بخالقه، ولا قيمة له إن كان قائمًا على الإكراه،
والعبارة المذكورة -إذا فهمت على هذا النحو- لا تحمل أي إساءة للدين الإسلامي، بل هي تتوافق مع اجتهادات إسلامية قديمة وحديثة في مقاربة الشأن السياسي، حيث أن الدولة في الإسلام تقوم على مبدأين أساسيين هما: الشورى والعدل، الطبيعة العقد الاجتماعي الذي يشكلها، فهو أمر متروك لاجتهاد البشر شريطة مراعاة المبدأين المذكورين
يذكر الدكتور عمار بوظو أن شعار الدين لله والوطن للجميع عبر التاريخ المعاصر حيث وفي عام 1919 ألقى الزعيم المصري وأبرز قادة النضال ضد الاحتلال البريطاني سعد زغلول خطابا استخدم فيه عبارة “الدين لله والوطن للجميع”. وسعد زغلول، بالإضافة لكونه قائدا لثورة 1919، كان رئيسا للوزراء ورئيسا لمجلس الأمة ووزيرا للتربية ووزيرا للعدل، كما كان من خريجي الأزهر وقد تتلمذ على يد جمال الدين الأفغاني ومفتي الديار المصرية الأسبق محمد عبده.
وكان سعد زغلول قد فصل من عمله بالداخلية في نهاية القرن التاسع عشر لاشتراكه في ثورة عرابي. ودخل السجن ونفي أكثر من مرة نتيجة مواقفه الوطنية، كما كان من المساهمين في وضع حجر الأساس لإنشاء الجامعة المصرية عام 1907، وفي نفس العام ساهم في تأسيس النادي الأهلي وتولى رئاسته، أي أنه من أهم مؤسسي الدولة المصرية الحديثة.
وذكر الكاتب المصري وجيه وهبة أن الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي قد ألقى خطابا خلال حفل خيري وعرض مسرحي في القاهرة عام 1916 قال فيه أيضا إن “الدين لله والوطن للجميع”. كان هذا الحفل تحت رعاية شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية حسب ما ذكرت صحيفة سركيس في أحد أعدادها في ذلك الزمن. وبالإضافة إلى مكانة الرافعي الأدبية الرفيعة فقد كان شخصا متدينا على المستوى الشخصي وتجلى تدينه في الكثير من أعماله الأدبية. وقوله هذه العبارة أمام شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية يدل على أنها كانت من العبارات المألوفة وغير المستهجنة قبل قرن من الآن.
وكما ذكر المفكر الدكتور سمير قصير في كتابه “تاريخ بيروت” أن صحيفة “نفير سورية” التي أصدرها بطرس البستاني رائد الوطنية العربية السورية عام 1860 كان شعارها المطبوع في أعلى الصحيفة “الدين لله والوطن للجميع”.
كما أن هذه العبارة كانت شعار سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي عام 1925، والتي اجتمع عليها الثوار من مختلف المناطق السورية ومن جميع الطوائف.
وبغض النظر عن منشأ هذه العبارة ومن استخدمها أولا، فعلى ما يبدو كان هناك إجماع عليها في المنطقة العربية في القرن التاسع عشر خصوصا عند الوطنيين حتى النصف الأول من القرن العشرين في أجواء النضال ضد الانتداب الأوروبي وصولا إلى فترة حكومات ما بعد الاستقلال التي وضعت أسس الدولة الوطنية. واستمر الوضع كذلك حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي عندما بدأت مرحلة “الصحوة الإسلامية”، بينما يطلق عليها خصومهم مرحلة الردة الثقافية والحضارية، عندما برز جيل جديد من الإسلاميين يرفض عبارة الدين لله والوطن للجميع ويعتبرها دعوة لحبس الإسلام في المساجد.
في الأساس، معنى هذه العبارة الواضح والبسيط لا يترك سببا للاعتراض عليها. فهي تشير إلى أن أبناء الوطن الواحد متساوون أمام القانون، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات مهما كان دينهم أو طائفتهم. هذه القواعد وضعتها وسارت عليها الدول الحديثة بعد أن مرت بفترة طويلة من الحروب الدينية والصراعات بين أبناء الوطن الواحد.
لكن مع ذلك، فإن كثير من رجال الدين المسلمين هذه الأيام يرفضون ويهاجمون عبارة “الدين لله والوطن للجميع حيث ذكر موقع دار الإفتاء المصرية: “إن أراد قائل هذه العبارة فصل الدين عن النظام السلوكي والاجتماعي والتشريعي للدولة وحصره في علاقة الفرد بربه فهذا معنى مذموم يرفضه الشرع
وعندما قال البابا شنودة أثناء زيارة الشيخ شعراوي له الدين لله والوطن للجميع رفضها علانية الشيخ شعراوي قائلا: “الدين والوطن لله والوطن الذي لا دين له لا يشرفنا العيش فيه”
فهل من مقاربة شرعية سياسية لهذا الشعار اليوم ؟
لمتابعة الندوة كامل على يوتيوب: