ما هو الأثر الاقتصادي للجوء السوري على الاقتصاد الألماني؟
تُعتَبَر أَلمانيا أَكثَر دَولة أوروبّيًّا من حَيث عَدَد #اللّاجِئين_السُّوريّين فيها، إذْ يَفُوق عَدَدُهُم نِصْف مِليُون لاجِئٍ، وهي الدَّولة السّادِسة على مُستَوَى العالَم من حَيث احتِضانها للّاجِئين، وفي ظِلّ استِمرار #اللُّجُوء_السُّوريّ لسَنَوات طَويلة، ما أَثَرُهُ على #الاقتِصاد_الأَلمانيّ؟
قَبْل الدُّخُول في دِراسة وتَحليل الأَثَر الاقتِصاديّ لِلُّجُوء السُّوريّ على أَلمانيا يَبْرُز تَساؤُل هامّ، لِماذا تَحتَضِن أَلمانيا أَعدادًا كَبيرة من السُّوريّين على الرَّغم من وُجُود مَسافة كَبيرة بين سُوريا وأَلمانيا، فلا حُدُود بَرّيّة أو بَحريّة مُشتَرَكة كَيْ يَسْهُل دُخُول السُّوريّين إليها، ولِماذا يَفُوق عَدَدُهُم في #أَلمانيا العَدَد المَوجُود في دُوَل عَرَبيّة عَديدة.
على الرَّغم من أنّ كُل الدُّوَل تُنادي بالعَدالة والإنسانيّة وغَيرها من القِيَم النَّبيلة، فإنّ الدُّوَل لا تَأخُذ قَراراتها استِنادًا على العَواطِف، بَلْ هي قَرارات عَقلانيّة مَدرُوسة بدِقّة ومَحسُوب أَثَرها المَرحَليّ والبَعيد، فأَلمانيا عِندَما فَتَحَت باب استِقبال اللّاجِئين السُّوريّين لم تَكُن تَنظُر إليهم فَقَط من مَنظُور إنسانيّ.
كان بإمكان أَلمانيا الامتِناع عن استِقبال اللّاجِئين لا سيَّما أَنَّها دَولة بَعيدة عن #سُوريا، أو على الأَقَلّ أَنْ تَطلُب تَوزيعَهُم بالتَّساوي بَين دُوَل #الاتِّحاد_الأُورُوبّي، فلِمَاذا قَرَّرَت استِقبال العَدَد الأَكبَر منهم والتَّكلُّف عليهم بمِلْيارات الدُّولارات، ناهيكَ عن الانتِقادات الدّاخِليّة الَّتي وُجِّهتْ ل #أنجيلا_ميركل بسَبَب #اللّاجِئين، فهل تَحَمَّلَت #ميركل هذه الانتِقادات وخاطَرَتْ بمُستَقبَلها السّياسيّ كَرَمًا لعُيُون السُّوريّين؟
لفَهْم دَوافِع #أَلمانيا لاستِقبال اللّاجِئين السُّوريّين لا بُدّ من فَهْم الواقِع الاقتِصاديّ لأَلمانيا، إضافةً للاستِعانة بِدِراسات أَكاديميّة تَناوَلَتْ هذه القَضيّة..
تُعتَبَر أَلمانيا من الدُّوَل غَير المُتَوازِنة ديمُغرافيًّا، إذْ تَرتَفِع فيها نِسبة كِبار السِّن مُقابِل تَراجُع نِسبة الشَّباب وانخِفاض نِسبة المَواليد، مِمّا يَزيد من تَكاليف الحُكُومة الاجتِماعيّة، وهي تَكاليف غَير مُستَرَدّة، بمَعنَى أَنَّها تَقَع ضِمْن التَّكاليف الَّتي تَفْرِضُها المَسؤُوليّة الاجتِماعيّة للدَّولة ولا تُشَكِّل استِثمارًا، بَينَما الإنفاق على الأَطفال والشَّباب يُعتبَر إنفاقٌ استِثماريّ.
تَدُلّ الإحصاءات المُرتَبِطة بالتَّركيبة الدّيمُغرافيّة لِلّاجِئين السُّوريّين في أَلمانيا أَنّ 70% منهم في سِنّ تَسمَح لَهم بالعَمَل، وأَنّ 75% من هذه النِّسبة جاهِزينَ لدُخُول سُوق العَمَل بِشَكلٍ مُباشِر، وعلى الرَّغم من حاجة العَديد منهم للتَّأهيل والتَّدريب فَإنَّهُم يُشَكِّلُون رافِدًا هامًّا لِسُوق العَمَل، كما أَنّ نِسبة كَبيرة منهم جاهِزة لدُخُول سُوق العَمَل مُباشَرة.
صَرَّحَت #المُستَشارة_الأَلمانيّة ميركل في أَكثر من مَوضِع بأنّ استِقبال اللّاجِئين السُّوريّين سيُحَسِّن من الاقتِصاد الأَلمانيّ، كما أَكَّد المَعهَد الأَلمانيّ للبُحُوث الاقتِصاديّة أَنّ استِقبال اللّاجِئين السُّوريّين قَد يَزيد النَّفَقات الحُكُوميّة في المَدَى القَصير لَكِنَّه وعلى المَدَى الطَّويل سيُسَبِّب زيادة في الاستِهلاك وبالتّالي تَحْفيز الطَّلَب، وزِيادة في العِمالة المُدَرَّبة وزيادة في مُعَدَّلات النُّمُو الاقتِصاديّ.
مَعهَد ميونخ للأَبحاث الاقتِصاديّة يَقُول إنّ الحُكُومة الأَلمانيّة تَكَلَّفَت عام 2015م مَبلَغ 21,1 مِليار يُورُو على عُمُوم اللّاجِئين ومنهم السُّوريّون، وخَلَصَتْ دِراسَته إلى أَنَّه وعلى الرَّغم من هذه الأَرقام الضَّخمة فإنّ هذا الإنفاق لا يَعدُو أَنْ يَكُون شَكْلًا من أَشكال الاستِثمار الَّذي سَتَحصُد أَلمانيا نَتائِجَه لاحِقًا.
غُرفة التِّجارة والصِّناعة الأَلمانيّة العَرَبيّة الأَلمانيّة وفي إحدَى تَقاريرِها تَقُول: إِنّ الإنفاق الحُكُوميّ الأَلمانيّ على اللّاجِئين السُّوريّين ساهَم في تَحفيز الاقتِصاد المَحَلّيّ، لا سيَّما أنّ غالِبيّة الإنفاق كان على البِنْية التَّحتيّة، ويَقُول التَّقرير بِأَنّ الاقتِصاد الأَلمانيّ حَقَّق نُمُوًّا إضافيًّا في عام 2016م يَتَراوَح بَين 0,5 – 1,5%، كَما انخَفَضَتْ البِطالة بَين الأَلمان لِأَدنَى قيمة لَها مُنذ 25 عامٍ.
اتِّحاد أَصحاب العَمَل الأَلماني BDA أَصدَر تَقريرًا يقول فيه: إن الشَّرِكات الأَلمانيّة تَتَنافَس على اللّاجِئين السُّوريّين لا سيَّما المُدَرَّبين والمُؤَهَّلين منهم، ويَقُول التَّقرير إنّ السُّوق الأَلمانيّ بحاجة لِأَكثَر من 140,000 مُهَندِس ومُبَرمِج وتِقْنيّ، ويقول التَّقرير: إنّ السُّوق
الأَلمانيّ سَيَحتاج عام 2021م إلى 1,7 مِليُون عامِل وفي عام 2040م سَيَحتاج إلى 3,9 مِليُون عامِل.
يَبلُغ النّاتِج المَحَلّيّ الإجماليّ الأَلمانيّ أَكثَر من 3,8 تِريليُون دُولار، وساهَم اللّاجِئُون السُّوريّين بزيادة النُّمُو الاقتِصاديّ بنِسبة تَتَراوَح بَين 0,5 – 1,5%، وعَلَيه تَكُون مُساهَمة اللّاجِئين السُّوريّين في النّاتِج المَحَلّي الإجمالي تَتَراوَح بَين 19,3 – 57,9 مِليار دُولار، وهي تَفُوق ما أَنفَقَته الحُكُومة الأَلمانيّة عليهم.
تَنتَشِر بَين أَفراد المُجتَمَعات المُضيفة للّاجِئين حَمَلات تَحْريض على اللّاجِئين وذلك لاعتِقادِهِم بأَنَّهُم أَضَرُّوا بالاقتِصاد ونافَسُوا السُّكّان المَحَلّيّين على المَوارِد، إلّا أَنّ التَّقارير والدِّراسات العِلميّة تُفَنِّد هذه الادِّعاءات، لا سيَّما أَنَّها صادِرة عن مُؤَسَّسات عِلميّة في الدُّوَل المُضيفة، فلا سَبيل لاتِّهامِها بالتَّحَيُّز.
يَنتَشِر بين بَعض السُّوريّين عُقدَة جَلْد الذّات، وذلك لِإحْساسهم بالذَّنب كَوْنَهم أَضَرُّوا باقتِصاد الدُّوَل المُضيفة لهم، ولهذا لا بُدّ من نَشْر هذه الأَبحاث وتَحْليلها وتَسْليط الضَّوْء عليها، لرَفع الاتِّهامات عن السُّوريّين، ولتَوضيح أَثَرهم الإيجابيّ على اقتِصادات الدُّوَل المُضيفة.