“تمكين المرأة” بين مؤيد ومعارض
تمهيد:
لقد كثر الكلام في الآونة الأخيرة حول تمكين المرأة والمنظمات النسوية، والشارع السوري بين محذر من هذه الأفكار والسلوكيات معبراً عنها بأنها خطر يهدد المرأة ويفكك المجتمع، وآخر داعم لها حيث يجدها سبيل لتخليص المرأة من الجهل والعنف الأسري والقيود الذكورية ويمكنها من حقوقها في العمل والتعليم والممارسة السياسية.
ولنقاش هذه الأفكار لابد لنا من تعريف مصطلح تمكين المرأة وما يتبعه من مصطلحات وسلوكيات لنصل للتصور الشامل والمعرفة الواسعة لنشأته وهدفه!
ولادة هذا المصطلح:
خرج مصطلح “تمكين المرأة” من عباءة هيئة الأمم المتحدة ومن بيئة تتناسب بالضرورة مع معاني هذا المصطلح والصيحات المنادية لتطبيقه وإذا ما رجعنا إلى مصطلح “التمكين” المُترجم عن وثيقة الأمم المتحدة بالإنجليزية وجدناه(Women Empowerment) و (Empowerment) تعني استقواء.
في حين أن المرادف لكلمة تمكين في اللغة الإنجليزية هو كلمة (Enabling) واستقواء المرأة (Women Empowerment)، يعني تقوية المرأة لتتغلب على الرجل في الصراع الذي يحكم العلاقة بينهما، وفقا لطبيعة العلاقة بين الجنسين في الثقافة الغربية التي أفرزت ذلك المصطلح.
ترجع جذور مفهوم “التمكين” إلى الستينات من القرن الماضي؛ إذ ارتبط بالحركات الاجتماعية المطالبة بالحقوق المدنية والاجتماعية للمواطنين، وبعدها استُخدم بمعاني عدة ومجالات مختلفة، كالاقتصاد، والعمل الاجتماعي والسياسي.
وهنا لا بد من القول أن مصطلح “تمكين المرأة” مستمد من ثقافة (الجندر) الكلمة المستخدمة أكثر من مئتي مرة في وثيقة مؤتمر بكين للمرأة 1995م، وقد بدأ الجدل بشأن هذا المفهوم منذ أواخر السبعينات وهو مفهوم منبثق من عمق الحداثة الأوربية والأمريكية.
و جندر (Gender) كلمة إنجليزية تعبر عن الاختلاف والتمييز الاجتماعي للجنس، وهو الجنس المتعلق بمكونات الذكورة والأنوثـة بالدرجة الأولـى، وقد استعير من البيولوجيا كما أنه الوجه الاجتماعي الثقافـي للانتماء الجنسـي، ومن خلاله تأتي الدعوة إلى رفض التمييز والفروق البيولوجية والتاريخية والاجتماعية بين الذكر والأنثى عند إناطة الأدوار بهما، على مبدأ أنه “لا يولد الإنسان امرأة، إنما يُصبح كذلك” كما تقول الفيلسوفة الوجودية (سيمون ديبو فواغ) في كتابها “الجنس الثاني”.
إشكالية المصطلح ووعورة التنفيذ:
إن دراسة جذور المصطلحات وتحديد مفاهيمها ليس ترفًا ثقافيًّا إنما تترتب فائدة عملية وعلمية على معرفته ليس أقلها إزالة اللبس الحاصل من تبني مصطلحات وأفكار لا تشبهنا؛ ونحن إذ نكرر مصطلحات الآخر ونرددها داعين إلى تطبيق مفاهيمها من دون تمحيص أو معرفة بالجذور الثقافية والاجتماعية والبيئة السياسية التي أنشأت مصطلحًا ما، وحددت مفاهيمه، وتكونُ وظيفتنا استخدامه وفق المعنى المتبادر لنا بناء على العرف في استعماله فإننا نوقع أنفسنا بمأزق من حدين:
الأول: أننا ننتزع شتلة الآخر من تربتها لنزرعها في غير بيئتها متوهمين أنها ستؤتي أكلها.
والثاني: أننا بالشعارات والمصطلحات الفاقعة نلزم أنفسنا أمام الرأي العام بما لا ندركُ معناه عندهم ولا نستطيعه كما يريدونه.
مجالات تمكين المرأة :
1_ التمكين الاقتصادي ويمكن قياسه عبر مؤشرات منها: نسبة المرأة في القوى العاملة، توزيع هذه القوى على الأولويات الأساسية للمرأة وهو ما يعكس الاتجاه المتنامي للتركيز على فهوم التنمية المستدامة.
2_ التمكين السياسي ويتم التعبير عنه بمؤشرات تتمثل فيما يلي: لجنة وضع المرأة في الدساتير العربية، إشراك المرأة في التشكيلات الحكومية وفي المجالس المحلية، ونسبة المرأة في البرلمانات العربية.
3_ التمكين الاجتماعي، ويتم التعبير عنه بمؤشرات منها: نسبة أمية المرأة، تحسين الخدمات الصحية للمرأة، آليات مكافحة العنف والعمل على مكافحة الفقر.
المرأة السورية وصراع التمكين:
بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011م أصبحت المرأة أمام تحديات كبيرة من جانبين:
أولاً: مواجهة البطالة التي خلفتها الحرب حيث أضحت المرأة السورية بحاجة للعمل، ومن المعلوم أن هناك كثيرا من النساء السوريات لم يكن عندهن تجربة عمل سابقة ولا مهارة، ولا يحملن شهادة علمية، هؤلاء كنّ بحاجة لعمل وتدريب وتأهيل.
ثانياً: الثورة السورية وما فيها من تداخلات داخلية وإقليمية أفرزت تعقيداً اجتماعياً كانت المرأة السورية إحدى أبرز ضحاياه ووضعتها أمام أسئلة سياسية واجتماعية بل ووجودية كبيرة، فرضت الحاجة الماسة لبرامج توعية سياسية وتنمية اجتماعية وأخلاقية وثقافية وفكرية لتوعية المرأة، وتأهيلها للمشاركة في أحداث الثورة وصنع مستقبل سورية.
وهنا لا بد من القول أن هذه المنظمات قد أثمرت في هذا الجانب حيث أغنت الساحة السورية بأيدٍ عاملة منتجة، كما ساهمت في القضاء على الأمية ونشرت التعليم بين النساء ومكنت الأرامل من تعلم صنعة منزلية(كالنسيج) تتحول من خلالها من امرأة مستهلكة إلى منتجة.
لكنها في الوقت ذاته قد أدخلت على النسيج السوري أفكاراً جديدة لا تناسب بيئته وهذا ما يجب أن نركز عليه ونواجهه، مثل إسقاط القوامة والمساواة المطلقة بين الذكر والأنثى والسيطرة على السوق الاقتصادية من خلال تسهيل عمل المرأة وتوفير فرص لها بشروط أقل من عمل الرجل، مما يجعل الرجل في مشكلة اقتصادية ومن ثم مشكلة أسرية حيث أن الزوجة أو البنت هي من تتحكم بمستلزمات المعيشة.
_ تأهيل لا تمكين:
رغم الأثر الإيجابي الذي تركته منظمات تمكين المرأة في “بعض الجوانب” إلا أنه يبقى مصطلح مستورد زرع في بيئة لا تناسب بيئتنا ومجتمع لا يناسب مجتمعنا ومن واجب المرأة السورية خاصة والمجتمع السوري عامة الحذر منه ومن ما يخفيه من أفكار منحرفة بين طياته ولهذا فإننا نرى استبدال هذا المصطلح بآخر، على سبيل المثال: “تأهيل المرأة” وهذا المصطلح يشمل تأهيل المرأة تعليمياً وثقافياً وصحياً وسياسياً وتجديد الوعي، انطلاقا من هوية الإسلام وقيمه ومبادئه التي خصصها للمرأة وأكرمها بها، بما لا يخالف نسج المجتمع الإسلامي.
ومن جهة أخرى فإن شوائب تمكين المرأة يجب أن تصفى بمصفاة المختصين من الأكاديميين والمثققين والتربويين، والتصدي لها أصبح ضرورة ملحة للحفاظ على تماسك الأسرة والمجتمع السوري.
معاهدة سيداو:
تُعرف اتفاقية سيداو (CEDAW) بأنّها اتفاقية دولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة، فيما استمدت هذه الاتفاقية اسمها بربط الأحرف الأولى من جملة (The Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination against Women) معاً، والتي تعني باللغة العربية اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة.
تم اعتمادها كمشروع قانون عام 1979م والتوقيع عليها في عام 1980م ودخلت حيّز التنفيذ عام 1981م، و جاءت الاتفاقية لرفض التمييز، و ضمان المساواة، والتزام الدول بالبنود المتفق عليها، حيث تنص بنود الاتفاقية التي تتكون من 30 مادة على المساواة بين الرجل والمرأة في كافّة الميادين السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، وقد بلغ عدد الدّول المُوقّعة عللى الاتفاقية 190 دولة بينما لم يوقع عليها سوى 5 دول فقط.
إن دراسة هذه الاتفاقية تظهر ما يلي:
1- معارضتها الصريحة للدين الإسلامي والأخلاق والقيم عبر التقليل من أهمية الزواج والدعوة إلى الإباحية والانحلال.
2- احتوائها على مواد تؤدي إلى تغيير جذري في المجتمع كإلغاء دور الأم وتحديد صلاحيات الأب .
3- دعوتها إلى إبطال القوانين والأعراف والتشريعات الدينية واستبدالها بالإعلانات العالمية والاتفاقات الدولية.
4- إلغاءها لثقافات الشعوب وحضاراتهم ودعوتها إلى آحادية ثقافية في ظل العولمة.
5- مخالفتها لميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على احترام التنوع الثقافي الديني في الدول .
وأخيراً أهم خطر تظهره هذه الدراسة هو الخطر على الأسرة المسلمة التي هي أمانة في أعناق المسلمين، وإذا لم تحفظ هذه الأمانة وتصان فإن التغيير الذي طرأ على الأسرة في الغرب يمكن أن يطالها هي أيضاً، وقانون الزواج المدني الاختياري الذي يطالب به اليوم سيصبح مع الوقت قانوناً إلزامياً، فتبطل عندئذ أحكام الزواج والإرث، ويصبح زواج المسلمة من النصراني أمراً عادياً ومقبولاً، ويبطل دور الرجل في الأسرة فلا قوامة ولا ولاية ولا حق في إبرام الطلاق، وغير ذلك من الأمور التي، إن حدثت، تكون الاتفاقيات الدولية قد أدت مهمتها على أكمل وجه .
الخلاصة:
يتضح مما سبق أن فكر وجوهر تأهيل المرأة لا يعني زيادة نفوذ المرأة ولا سيطرتها على الآخر، أو أن تصبح المرأة أقوى من الرجل؛ ولكن الهدف الذي تسعى إليه هو تأهيل المرأة تعليمياً وثقافياً وصحياً وسياسياً مع التأكيد على الحفاظ والتمسك بالهوية المسلمة للمجتمع السوري وتماسك النسيج المجتمعي ونبذ أي فكرة دخيلة على المجتمع، ولابد من الاستقراء الدقيق لمخرجات وأهداف بعض المنظمات العاملة في الداخل السوري، بغموض وانحراف عميق؛ والتصدي لخطر أفكارها المنحرفة على المرأة والمجتمع السوري.